من أدلتها وبهذا يصبح عالما مجتهدا يعمل برأيه، ولا يرجع إلى غيره.
الطريق الثاني: يختص بمن لا أهلية له لاستخراج الحكم الشرعي من دليله، وقد عبر عنه الفقهاء بالمقلد، والتقليد تارة يراد منه التقليد بالرأي، أي الأخذ بقول القائل بصفته الشخصية دون أن يطالب بالحجة والدليل، بل يجعل قوله " العندي " هو الدليل والحجة، كما لو حكم إنسان بصحة شئ أو فساده، لأن فلانا حكم بذلك بحيث يكون القول هو الدليل الوحيد لا غير، وهذا هو التقليد الأعمى المحرم عقلا وشرعا وعرفا، وهو المعنى بما جاء في القرآن الكريم " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا... قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون ".
وتارة يراد بالتقليد الأخذ بالرواية أي الأخذ بما ينقله القائل عن غيره، لا من عند نفسه، كالأخذ بقول الطيب إن هذا الشئ يحتوي على مادة كذا، وبقول المحامي إن القانون ينص على كذا، وبقول المهندس إن هذا الأساس يحمل طابقين من البناء أو أكثر، وكأخذ القاضي بشهادة من يعلم بعدالته، والأعمى بقول البصير الذي يرشده إلى الطريق، وما إلى ذلك من رجوع من لا يعلم إلى من يعلم، وهذا النوع من التقليد، وهو العمل بالرواية لا بالرأي، هو الذي أوجبه الفقهاء، فقد كانوا وما زالوا يرشدون الناس إلى ما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله لا إلى شئ من آرائهم وأقوالهم الخاصة، فالجاهل يسأل العالم عن الحكم الثابت في الشريعة، فيفتيه به، ويرويه له لفظا أو معنى، لقد أوجب الفقهاء السؤال على الجاهل للآية الكريمة " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وأوجبوا على العالم أن يجيب ويبين لقوله تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ".
وبهذه المناسبة ننقل إلى القراء ما قاله محمد بن علي الشوكاني من علماء السنة في رسالته المسماة القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد طبعة سنة 1929 ص 17 و 18 و 28 " إن حدوث التمذهب بمذهب الأئمة الأربعة إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة، وإنهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وإن هذه المذاهب إنما أحدثها العوام المقلدة من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين... وكأن هذه الشريعة التي بين أظهرنا من كتاب الله وسنة رسوله