وما ذكره من قتل زرارة يصلح لتأييد كون مقصودهم من صرف الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعداوته اتباع سنة الجاهلية، واقتفاء عادتهم الردية.
اعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) طلب حقه جهارا وسعى فيه، إطاعة لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ما أمكن، ثم اتقى من الولاة لحصول الخوف من الاصرار بقدر الحاجة. يدل على الأول ما ذكرته مرارا. وعلى الثاني أيضا عدم البيعة في حياة الطاهرة (عليها السلام) وبيعته (عليه السلام) بعد وفاتها.
فظهر أن تخلفه (عليه السلام) في بيته، وإظهار العكوف على جمع القرآن وغيره: إما للممانعة عن البيعة مهما أمكن، أو للتقية، أو لهما. وليس التخلف وغيره من الحيل، كما زعمه ابن أبي الحديد، لكونه (عليه السلام) أعلم من ابن أبي الحديد بأن الأمر لا ينتقل إليه بأمثال هذه الأمور، ولعله غفل عن جريان ما سمعه عن أستاده في هذه الأمور، وإلا وجب عليه تغيير أمثال تلك الكلمات الدالة على الخيالات الفاسدة.
لأنه قال: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد (رحمه الله) فقلت له: وأني لأعجب من علي (عليه السلام) كيف بقي تلك المدة الطويلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وكيف ما اغتيل وفتك به في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه؟
فقال: لولا أنه أرغم أنفه بالتراب، ووضع خده في حضيض الأرض لقتل، ولكنه أخمل نفسه، واشتغل بالعبادة والصلاة والنظر في القرآن، وخرج عن ذلك الزي الأول وذلك الشعار، ونسي السيف، وصار كالفاتك يتوب ويصير سائحا في الأرض، أو راهبا في الجبال، ولما أطاع القوم الذين ولوا الأمر وصار أذل لهم من الحذاء، تركوه وسكتوا عنه، ولم يكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطأة من متولي الأمر، وباطن في السر منه، فلما لم يكن لولاة الأمر باعث وداع إلى قتله وقع