يبالوا بما قال الجاهلون بحالهم بمقتضى شريفة * (ولا يخافون لومة لائم) * (1) ورواية " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " شاهدة لهم، فكيف يولون من لا حق له.
وإذا كان حالهم وشأنهم ما عرفت، فإما أن كانوا يولون سعدا أمر السلطنة والخلافة، أم لا. فإن ولوه كانت الخلافة تثبت بتوليتهم لكونهم جماعة كثيرة من أهل الخير والصلاح، ومن كمل المسارعين إلى مغفرة من ربهم، ومن الأصحاب الذين عرفت مرتبة الاقتداء بهم، ولا يفعل مثل تلك الجماعة بل بعضهم ما لا يوافقه الشرع الأنور، ولا غضاضة على إطاعة الشرع. وإن لم يكونوا يولونه لعدم استحقاقه الأمر، وكونهم على الصفات المذكورة يمنعهم عن مثل هذا الأمر الشنيع، فلا باعث على حضور قريش السقيفة وترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع افتخارهم بكونهم من الطائفة التي رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها.
وبالجملة صفة الأنصار مانعة عن الظلم والطغيان، فلا يصلح جعل اجتماعهم في السقيفة لاعتمادهم على قريش في تجهيز الرسول (صلى الله عليه وآله) واشتغالهم بأمر الخلافة على وجه شرعي سبب ترك قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) على وجه لا يليق بأوساط الناس بلا غرض شرعي فإن قلت: لم يكن الأنصار غير متهمين عندنا، والمسارعة إلى السقيفة من أعظم أمارات الاتهام، والرواية مع كونها خبرا واحدا معارضة بإخباره (صلى الله عليه وآله) بارتداد كثير من الصحابة، ولو كانت حقا كانت مأولة البتة، فحينئذ يمكن الخيانة في أمر الخلافة والمسارعة في البيعة قبل ظهور المستحق، وتدارك الباطل بعد البيعة مما يتعذر أو يتعسر تعسرا شديدا، واحتمال هذا الأمر بل ظهوره دعانا إلى ارتكاب ما يحكم بشناعة العقول تداركا لما هو من أعظم الأمور، فما راعيناه أعظم مما تركناه.