تعالى، وتأخيره (عليه السلام) كان لضرورة الاجتناب عن معاونة الإثم والعدوان، فلما رأى قوتهم وضعف الحق بوفاة خير نساء أهل الجنة، اقتضى التقية وشريفة * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (1) المداراة معهم، ومع هذا في التأخير إتمام الحجة على الناس بأنه لو كان في بيعة أبي بكر خيرية لم يؤخرها من كان أسرع المؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الخيرات.
وقوله (عليه السلام) " لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك " وغيره مما يدل على عدم بطلان أمر الخلافة، تقية منه (عليه السلام) كما يشهد عليها سياق الخبر ونفس تأخيره (عليه السلام)، ويحصل من هذا الخبر وسيرته (عليه السلام) وما نقل عنه (عليه السلام) في مواضع متعددة القطع بأنه (عليه السلام) كان منكرا لاستحقاق الأول للأمر، وكارها للبيعة ومكرها بها بعد مدة اختلف في قدرها أنه كان أربعين يوما أو ستة أشهر.
وعلى التقديرين نقول: إما أن يكون امتناعه وإنكاره في المدة غير حق، أو اعترافه به بعد المدة، فإن قلنا بحقية مقتضى ظاهر الاعتراف، فتركنا مقتضى الروايات المتظافرة بدوران الحق معه حيثما دار، بل سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي هي كونه أسرع المؤمنين إلى الخيرات، وأطوع الأصحاب للقربات، وأصدق السابقين في الأقوال والأفعال. وإن قلنا بحقية مقتضى الانكار، حملنا البيعة على الاضطرار، والتكلم بما ظاهره خلاف الواقع عند شدة الخوف لا ينافي دوران الحق معه حيثما دار، لأن المراد من الدوران دورانه عند التكلم بما له فيه الاختيار.
ومع غاية ظهور ما ذكرته قلت: لو تنزلنا عن الظهور لا يقدر على نفي احتمال ما ذكرته من شم رائحة الانصاف، وهو كاف لانتفاء العلم بتحقق الاجماع الذي هو مناط استدلالهم.