وأيضا كيف لا يبين مثل هذا الأمر؟ مع خفاء المستحق بين الناس واختلاف الأهواء فيه، وكون الأمور الدنيوية والدينية منوطة به، وأصحاب التدبير من الملوك يعينون المستحق للسلطنة بزعمهم أو بهواهم، نظرا له أو للرعية أو لهما عند ظهور أمارة قرب الموت، بل قبل ظهورها أيضا، فكيف ينسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إهمال مثل هذا الأمر الذي في إهماله المفاسد العظيمة التي علمت بعضها؟
وإن قلت إنه لم يكن عالما به، فكيف كان أبو بكر وعمر عالمين عند شدة مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهور أمارة انتقاله إلى روضة الرضوان، والاحتياج إلى التدبير في أمر الخلافة، حتى تخلفا عن جيش أسامة، مع غاية مبالغة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خروج الجيش ولعنه على المتخلف كما يدل عليه الأخبار، ولم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولو فرض عدم علمه (صلى الله عليه وآله) مع ظهور البطلان مماشاة معهم، نقول: أرسل الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) إلى الخلق لينقذهم عن الجهالة ويهديهم طرق الرشاد عن الضلالة ألم يلهمه تعيين الخليفة مع عظم الخطب؟
وبالجملة مع ظهور حصول العلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بقرب الانتقال وأمر الخلافة، يدل عليهما ما رووه ونقلته سابقا من قوله (صلى الله عليه وآله) " إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب " إلى قوله " أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " وغيره من الأدلة والآثار.
فإن قلت: لا ينفعكم الاستبعاد بعد ثبوت الاجماع على خلافة أبي بكر الدال على عدم التعيين.
قلت: مع دلالة كيفية ما جرى في السقيفة على أن البيعة لم تكن ناشئة عن اعتقاد استحقاق أبي بكر للأمر نتكلم في الاجماع أيضا.
وأما ثانيا: فلأن بعد حضورهم السقيفة تداركا لما خافوا منه، وهو تولي سعد أمر السلطنة وقوة حاله، بحيث لا يكونوا قادرين على دفعه، لو كان غرضهم محض