شناعة تركه في تلك الحال، ومع هذا لم يبالوا بها وسارعوا إلى السقيفة، لخوفهم من تأخير الفوات ما خافوا فواته.
وبعد ما حضروا السقيفة احتج الأنصار والمهاجرين بما احتجوا، وظهر ضعف ما تمسك به الأنصار وقوة ما استدل به المهاجرون، ورجحان أبي بكر بينهم بما ذكر الرجلان فبايعوه به، وسعد بن عبادة لكونه صاحب غرض لا يلتفت إلى قوله في الاجماع، ومخالفة بعض الأصحاب، مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلحة والزبير وأبي سفيان وغيرهم، قد ارتفع بعد مدة واستقر الاجماع على الأمر، ولو تنزلنا عن هذه المرتبة وقلنا باعتبار مخالفة سعد في الاجماع، قلنا بعد وفاته في أوائل عمر استقر الاجماع على إمامة عمر، وإمامته تدل على إمامة أبي بكر بوجهين: أحدهما عدم القائل بالفصل، وثانيهما فرعية إمامته على إمامة الأول، وحقية الفرع كاشفة عن حقية الأصل.
ويمكن أن يقال: تحقق الاجماع بعد وفاة سعد، بأن أبا بكر كان إماما في زمانه أيضا من غير حاجة إلى التمسك بعدم القائل بالفصل والفرعية.
وفيه نظر من وجوه:
أما أولا، فلأن الأمر الذي كان في شأنه ذلك الاهتمام هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عالما به أو لا؟ فإن كان عالما به فلم لم يعين الخليفة؟ مع كون طريقته الشائعة تعيينه من له أدنى امتياز ومتبوعية في أمور ضعف احتمال المفسدة فيها وأمكن التدارك بأيسر وجه إن حصل أدنى مفسدة، فكيف لا يبين هذا الأمر العظيم الذي في اختلاله ووضعه في غير موضعه مفاسد عظيمة، منها عدم رعاية حق أهل البيت مع وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وظهورها بينهم، واختلاف الصحابة وتشويش أحوالهم وتخويفهم للبيعة، واستمرار الاختلاف والتشويش بين الأمة على ما ترى وغيرها مما ترتب على أمر الخلافة.