على أنا إذا كنا وكل مخالط متأمل بقدم وجوده أو تأخره نعلم نص النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ذريتهما عليهم السلام: على إمامة الثاني عشر وكونه المزيل لجميع الدول والممالك الجامع للخلق على الإيمان بالقهر والاضطرار، علمنا توفر دواعي كل ذي سلطان وتابع له إلى طلبه وتتبع آثاره وقتل المتهم بنصرته، لما نجدهم عليه من حب الرئاسة وإيثارها على الآخرة وقلة الفكر في العاقبة، وتأييدها بقطع الأرحام وهجر الأحباب وبذل الأنفس والأموال وقتل الأبرار وتعظيم الفجار.
وارتفع الريب عنا بوجوب استتاره ما استمر هذا الخوف إلى أن يعلم بشاهد الحال أو بغير ذلك وجود أنصار (1) يتمكن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفار، أو توبة المتغلبين من ذوي السلطان، فحينئذ يظهر منتصرا للحق كظهور كل من الأنبياء وخلفاء الله في الأرض عليهم السلام بعد الخوف والاضطرار.
وليس لأحد أن يقول: فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الأرض لم ينصروه على أعدائه؟ وما باله هو عليه السلام لم يظهر منتصرا بهم؟ ففي بعضهم نصرة.
لأنه ليس كل متدين بإمامته عليه السلام يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوى على مجالدة الأقران، ولا كل مقتدر على ذلك يوثق منه بنصرة الحق وبذل النفس والأموال والحميم وهجر طيب العيش في اتباعه وإيثاره على هذه الأمور مع ما فيه من عظيم الكلفة.
وكيف يظن ذلك من يعلم ضرورة كون أكثر شيعته ذوي مهن وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين ومن لا يثبت (2) الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلبين، ومن يظن به النصرة من نفسه من شيعة الحجة عليه السلام - لكونه ممارسا لآلات الحرب مخالطا لأصحاب الدول - هو تبع للضلال وباذل نفسه في نصرة الفجار