وأما الإنفاق، فيفتقر على أمور:
منها: ثبوت المال للمنفق، وتعيين الزمان الواقعي فيه، والجهة المتعرف فيها، وكونه قربة إلى الله تعالى، وكل مقصود.
أما المال، فالمعلوم من حال أبي قحافة كونه صياد القماري بمكة، فلما أضر صار مناديا لمائدة عبد الله بن جذعان، وأبو بكر في الجاهلية خياطا، وفي الإسلام يبيع الخلفان، وعمر في الجاهلية جزارا، وفي الإسلام كلا على غيره من المسلمين، وقد عد (1) الناس الأغنياء من قريش فلم يعدهما أحد، وعدوا عفان وابنه عثمان.
وأما الزمان، فلا يخلو أن يكون قبل الهجرة أو بعدها، وفي أي الحالين كان اقتضى حصول العلم بوجه الذي وقع فيه الإنفاق من حالتي مكة والمدينة.
وكذلك القول في الجهة مما يجب العلم بعينها، أفي مصالح حال النبي صلى الله عليه وآله والمتبعين له، أو مداراة الكفار، أو تجييش الجيوش؟
وكل ذلك لا سبيل إلى إثبات شئ منه بيقين، وإنما هو مختص بالإرجاف، لا يجد مدعيه سبيلا إلى إثبات شئ غير ابتياع بلال وعتقه، وهو من أوضح برهان على عدم الإنفاق، لاختصاص الدعوى به، مع بعده من صفة الإنفاق.
وأما الجهاد، فقد بينا خلو القوم منه، وثبوت ضده من الانهزام في موطن بعد موطن.
وإذا خلوا من دعوى القتال الثابت في الآية بغير شبهة، فلو ثبت الإنفاق لم ينفع، لأن الوعد في الآية يتوجه إلى من جمع بينهما، دون من انفرد بأحدهما، وبهذا يخرج عثمان من مقتضى الظاهر، لخروجه عن جملة المجاهدين وإن كان له إنفاق، وانتفاء الصفتين عنهم أو أحدهما كاف في خروجهم عن مقتضى الآية.
ولم سلم كونهم ذوي إنفاق وقتال - مع تعذر ذلك - لم يقتض توجه الخطاب إليهم، لأنه لا حكم ولا إنفاق ولا قتال من دون الإيمان الذين هم براء منه.