مسلم، ورشقوا أصحابه بالسهام، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين، وحملوا على أصحابه من كل جانب، وعائشة على جملها محفحفا (1)، وعلى هودجها الدروع بارزة بين الصفين تحرض على القتال.
فحينئذ أذن عليه السلام لأنصاره بالقتال، فلم يكن إلا قليلا حتى صرع الله طلحة والزبير ناكثين غادرين، وقتل أنصار الجمل، وولى الباقون مدبرين، وعقر جمل الفتنة، وأخذت عائشة، ونادى مناديه عليه السلام: بأن لا يتبع منهزم، ولا يجهز على جريح، ولا يعرض لمن ألقى سلاحه أو دخل داره، وقسم ما حواه العسكر من كراع وسلاح ومال، دون النساء والولدان، ولم يعرض لما خرج عنه من أموال المحاربين وأهليهم، وعفا عن الانتقام من عائشة ومن سلم من أنصارها، وأنفذها إلى المدينة في صحبة النساء.
فهذه جمل أحوال أهل الجمل باتفاق الناقلين، ليست من النكير في شئ، وظاهرها الطلب بثأر عثمان على مذاهب الجاهلية، ومنازعة أمير المؤمنين عليه السلام الأمر رغبة في الخلافة، دون الانتصار لحق أو دفع لباطل، وخطأهم في ذلك ظاهر من وجوه:
أما عائشة، فإذا كان المعلوم من حالها عداوة عثمان، والتعريض به، والتأليب عليه، واستمرارها على ذلك إلى أن قتل، واغتباطها بقتله، وما سمعته من تولي طلحة للخلافة، فلما بلغها ولاية أمير المؤمنين عليه السلام للأمر رجعت عن ذلك كله إلى خلافه. علم أن الحامل لها على الطلب بدم عثمان عداوة أمير المؤمنين عليه السلام، دون الانتصار له.
ولو سلم رأيها في عثمان، لكان الواجب عليها الرضى بما فعلته الصحابة وأولوا البصائر الذين بهم انعقدت إمامة عثمان وإمامة من تقدمه عندها (2)، التي لا يتمكن منها