وأيضا فلو لم يكن في أفعاله تعالى ما له صفة الإحسان لا يجب شكره، لاختصاص الشكر به دون سائر الأفعال، فإذا لم يتعين شكره لم يستحق العبادة، لكونها كيفية في الشكر وذلك ضلال.
وأيضا فإنا نعلم ضرورة أن من جملة الأفعال الواقعة منا ما يستحق به الشكر والمدح، ولا يستحق به الذم، كما نعلم أن من جملتها واجب ومباح، فيجب أن يكون تعالى قادرا لنفسه على ما هذه حاله، وذلك ينتقض قوله: إنه ليس في الشاهد ولا الغائب ما يخرج عن واجب في العدل أو واجب في الجود.
وأما المكلف، فهو الجملة الحيث المشاهدة، بدليل حصول العلم بوقوع الأفعال الدالة على كون من تعلقت به قادرا، والمحكمة المترتبة الدالة على كون من تعلقت به عالما مريدا منها، والقادر العالم المريد هو الحي المكلف.
وإذا كان المعلوم استناد ما دل على كونه كذلك إلى الجملة، وجب وصفها به دون ما لا يعلم ولا يظن تعلق التأثيرات به، إذ كان نفيها عن الجملة المعلوم ضرورة تعلقها بها وإضافتها إلى من لا يمكن إضافتها إليه إلا على هذا الوجه تجاهل، ولا نعلم حصول الإدراك بأبعاضها، والمدرك هو الحي، فيجب أن يكون كل عضو حصل به الإدراك من جملتها.
ولأن الأفعال تقع (1) بأطرافها، ويبتدئ بها التأثيرات المحكمة، ويخف باليدين ما يثقل باليد الواحدة، ولا وجه لذلك إلا كون هذه الأعضاء محلا للقدر، ومحل القدر هو القادر، والقادر هو الحي.
وليس لأحد أن يقول: ما المانع من كون الحي غيرها، وتقع أفعاله فيها مخترعة.
لأن الاختراع يتعذر بجنس القدر ولأنه لو صح منه أن يخترع فيها لصح