لأن الناصر لك مانع عدوك، فلما كان نصرته بمعنى منعته جاز أن يتعدى بمن، ومثله فليحذر الذين يخالفون عن أمره، فعدى الفعل بمعن حملا على معنى يخرجون عن أمره، لأن المخالفة خروج عن الطاعة، وتكن من بعن البدل كقول الله تعالى: ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة، معناه: ولو نشاء لجعلنا بدلكم، وتكون بمعنى اللام الزائدة كقوله:
أمن آل ليلى عرفت الديارا أراد ألآل ليلى عرفت الديارا. ومن، بالكسر: حرف خافض لابتداء الغاية في الأماكن، وذلك قولك من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا، وخرجت من بغداد إلى الكوفة، وتقول إذا كتبت: من فلان إلى فلان، فهذه الأسماء التي هي سوى الأماكن بمنزلتها، وتكون أيضا للتبعيض، تقول:
هذا من الثوب، وهذا الدرهم من الدراهم، وهذا منهم كأنك قلت بعضه أو بعضهم، وتكون للجنس كقوله تعالى: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا. فإن قيل: كيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله وإنما قال منه؟ فالجواب في ذلك أن من هنا للجنس كما قال تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، ولم نؤمر باجتناب بعض الأوثان، ولكن المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن، وكلوا الشئ الذي هو مهر، وكذلك قوله عز وجل: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما. قال: وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيما ولكنها توكيد بمنزلة ما إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة، وذلك قولك: ما أتاني من رجل، وما رأيت من أحد، لو أخرجت من كان الكلام مستقيما، ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيض، فأراد أنه لم يأته بعض الرجال، وكذلك: ويحه من رجل إنما أراد أن جعل التعجب من بعض، وكذلك: لي ملؤه من عسل، وهو أفضل من زيد، إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم، وكذلك إذا قلت أخزى الله الكاذب مني ومنك إلا أن هذا وقولك أفضل منك لا يستغنى عن من فيهما، لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها. قال الجوهري:
وقد تدخل من توكيدا لغوا، قال: قال الأخفش ومنه قوله تعالى: وترى الملائكة خافين من حول العرش، وقال: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، إنما أدخل من توكيدا كما تقول رأيت زيدا نفسه.
وقال ابن بري في استشهاده بقوله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، قال: من للبيان والتفسير وليست زائدة للتوكيد لأنه لا يجوز إسقاطها بخلاف ويحه من رجل. قال الجوهري: وقد تكون من للبيان والتفسير كقولك لله درك من رجل، فتكون من مفسرة للاسم المكني في قولك درك وترجمة عنه. وقوله تعالى: وينزل من السماء من جبال فيها من برد، فالأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان.
ابن سيده: قال سيبويه وأما قولك رأيته من ذلك الموضع فإنك جعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء والمنتهى. قال اللحياني:
فإذا لقيت النون ألف الوصل فمنهم من يخفض النون فيقول من القوم ومن ابنك.
وحكي عن طئ وكلب: اطلبوا من الرحمن، وبعضهم يفتح النون عند اللام وألف الوصل فيقول من القوم ومن ابنك، قال: وأراهم إنما ذهبوا في فتحها إلى الأصل لأن أصلها إنما هو منا، فلما جعلت أداة حذفت الألف وبقيت النون مفتوحة، قال: وهي في قضاعة، وأنشد الكسائي عن بعض قضاعة: