وهو كثير الاستعمال، وتعرف (من) الابتدائية، بأن يحسن في مقابلتها (إلى) أو ما يفيد فائدتها، نحو قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن معني أعوذ به: أتلجئ إليه وأقر إليه، فالباء ههنا أفادت معنى الانتهاء، وإذا قصدت بمن مجرد كون المجرور بها موضعا انفصل عنه الشئ وخرج منه، لا كونه مبتدأ لشئ ممتد، جاز أن يقع موقعه (عن) لأنها لمجرد التجاوز، كما يجئ، تقول: خرجت من المكان وأخرج عنه، وانفصلت منه وعنه، ونهيت من كذا وعنه، وسقاه من العيمة 1 وعنها، أي بعده عنها، وأما (من) التفضيلية فهي، وإن كانت لمجرد المجاوزة، كما مر، لكنه لا يستعمل (عن) مكانها، لأنها صارت علما في التفضيل، وكبعض حروف أفعل التفضيل، فلا تغير ولا تبدل، وأجاز ابن السراج، كون (من) لابتداء غايتي الفاعل والمفعول، لكون الفعل مشتركا بينهما، نحو: رأيت الهلال من مكاني من خلل السحاب، فمبدأ رؤيتك : مكانك، ومبدأ كون الهلال مرئيا: خلل السحاب، وكذا قولهم شممت المسك من داري من الطريق، ومثال التبعيض: أخذت من الدراهم، والمفعول الصريح لأخذت:
محذوف، أي أخذت من الدراهم شيئا، وإذا لم تذكر المفعول الصريح أو ذكرته معرفا، نحو:
أخذت من الدراهم: هذا 2، فمن متعلقة بأخذت، لا غير، لأنه يقام مقام الفاعل نحو:
أخذ من الدراهم، والدراهم مأخوذ منها، ولو ذكرته بعد المفعول المنكر ، نحو: أخذت شيئا من الدراهم جاز أن يكون الجار متعلقا بالفعل المذكور، وأن يكون صفة لشئ، فيتعلق بمقدر، أي: شيئا كائنا من الدراهم، فيجوز، إذا تقدم على النكرة أن يكون، أيضا، حالا عن النكرة المؤخرة، قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) 3، وتعرف (من) التبعيضية، بأن يكون هناك شئ ظاهر، وهو بعض المجرور بمن، ،