هنا لا ينقادون للإسلام، وهل الإسلام إلا التسليم للحق، والإقرار به، والخضوع له بعد فهمه؟
والمؤسف أن مشكلة الخوارج الكبرى قد تمثلت في توجهاتهم المتطرفة المفرطة اللا متناهية، لذلك آل أمرهم إلى حكمهم بالكفر على كل من لا يرى رأيهم ولا يعمل عملهم!
نقطة البداية في الانحراف إن عددا من المسلمين في عصر صدر الإسلام لم يتلق تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) من " التعمق " بكثير من الجدية؛ لأسباب سنعرضها عند الحديث عن جذور " التعمق "؛ فهؤلاء قد تجاوزوا السنة النبوية، وأفرطوا في نزعاتهم حتى وقحوا في بعض المرات واجترؤوا يؤاخذون النبي (صلى الله عليه وآله) إذ كان (صلى الله عليه وآله) في أحد الأيام مشغولا بتوزيع الغنائم، وقسمتها بمراعاة مصالح معينة، فهب أحد هؤلاء " المتقدسين "، وقد سولت له نفسه أنه أعدل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القسمة بزعمه، وطلب منه أن يعدل في التوزيع! وطعن في تقسيمه القائم على التعاليم القرآنية، وكان أثر السجود بائنا على جبهته، ورأسه محلوق على طريقة " المتقدسين " يومئذ ورفع عقيرته بغلظة وفظاظة قائلا: " محمد، والله ما تعدل! " فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) مغضبا:
ويحك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟!
وهم الصحابة بقتله لموقفه الوقح هذا، بيد أن النبي (صلى الله عليه وآله) منعهم، وحكى لهم صورة عن مستقبله، وأنبأهم بأنه ورفقاءه بعيدون عن الحق من منطلق " التعمق " وقال:
" سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه ".