ويفقد (عليه السلام) القدرة على صنع قراره في الحرب والسلم، والسياسة والإدارة؛ وتخرج الأمور المهمة من يده. فلذا واجه (عليه السلام) هذا الطلب الجهول بكل قوة، لكن أولئك القراء بدل أن يتأملوا في هشاشة موقفهم الأحمق هذا، افترقوا - عند الرجوع من صفين - عن أمير المؤمنين وإمام المتدينين؛ انطلاقا من " التعمق " في الدين والإفراط في السلوك المشين، وعسكروا في " حروراء " قريبا من الكوفة.
انقلاب " القراء " إلى " المارقين " أجل، تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وإذا الذين كانوا بالأمس وجوه المسلمين البارزة، وممن جمعوا في حياتهم بين الجهاد والقتال، والزهد والعبادة، يقفون اليوم أمام الدين وإمام المسلمين بسبب إصابتهم بداء التعمق والتطرف؛ متذرعين بذريعة الدفاع عن ساحة القرآن وحريم الدين. وهكذا أخرجهم داء الإفراط والتطرف من الدين حتى لم يبق في نفوسهم للدين من أثر.
وهكذا استحقوا عنوان " المارقين " الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وصفهم به من قبل. ومما كان (صلى الله عليه وآله) قد قاله للإمام (عليه السلام):
" يا علي! لولا أنت لما قوتل أهل النهر، قال: فقلت: يا رسول الله! ومن أهل النهر؟ قال: قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ".
الإمام ومباهاته باجتثاث فتنة " التعمق " اتضح مما ذكرناه إلى الآن حول تيار " التعمق " والوجوه المنتمية إليه أن الاصطدام به كان عملا صعبا، وحقيقة الأمر أن استئصال جذور هذه الفتنة - التي كانت في ظاهرها تيارا وطيدا في التدين - عمل في غاية الإعضال، وكان الإمام (عليه السلام) يرى أن إبادة هذا التيار واقتلاع جذور الفتنة من مفاخر عصر خلافته،