ومما دعم الموقف الأحمق للقراء في تلك الأثناء وساهم في نجاح مكيدة معاوية لإيقاف الحرب وبث الفرقة في جيش الإمام - كما سبقت الإشارة إليه - هو موقف أولئك الذين كانوا يتعاملون مع الإمام تعاملا منافقا، ومن كانوا يمنون أنفسهم بوعود معاوية، وعلى رأسهم الأشعث بن قيس.
فالأشعث بن قيس من قبيلة كندة التي كانت تقطن جنوب الجزيرة العربية، وقد وفد على الرسول (صلى الله عليه وآله) مع جماعة من قومه في السنة العاشرة للهجرة، وأسلم، ثم ارتد بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فبعث أبو بكر جيشا لقتاله، وأسر واقتيد مكبلا بالأغلال إلى المدينة، فعفا عنه أبو بكر وزوجه أخته!!
وبعد مقتل عثمان بايع عليا (عليه السلام)، بيد أنه لم يكن يتعامل معه بإخلاص؛ فمواقفه إزاء الإمام وخاصة فيما يتعلق بالتحكيم، وبث الفرقة بين صفوف جيش الإمام، تشير إلى أنه تحول إلى واحد من العناصر المندسة في جيش الإمام لصالح معاوية. إلا أن الإمام علي (عليه السلام) لم يكن قادرا على البت في أمره؛ بسبب مكانته الاجتماعية وضخامة قبيلته التي كان لها دور مؤثر في جيش الكوفة.
5 - الحكمة من عدم اغتنام الفرصة بعد توبة الخوارج وتوقفت المعركة على أثر المكيدة التي ابتكرها عمرو بن العاص. ولكن ما لبث قراء الكوفة أن انتبهوا إلى أنهم قد انطلت عليهم الخدعة، وأنهم قد أخطؤوا في حمل الإمام على قبول التحكيم. فجاؤوا إليه وأعربوا عن خطأ موقفهم، وتوبتهم مما كان منهم، وأنه هو الآخر قد أخطأ في قبول رأيهم، ويجب أن يتوب أيضا! واعتبروا الوثيقة التي صيغت على أساس المكيدة فاقدة لأية قيمة، ولابد من نقضها واستئناف الحرب. إلا أن الإمام رفض قبول هذه الاقتراحات، وانتهى ذلك الرفض إلى انشقاق القراء عن الإمام ووقوع معركة النهروان.