الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين) (1). بلى والله، لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها (2).
ولعل ما جاء في التاريخ حول الخوارج يجعل التصديق بهذا الموضوع عسيرا بعض العسر، ذلك أن قوما اتخذوا الزهد شعارا لهم، وظهروا بمظهر العازفين عن الدنيا، وأتعبوا أنفسهم في العبادة، وجاوزوا حد الاعتدال فيها، ورغبوا عن ماديات هذه الحياة، وكانوا يبلون بلاء حسنا في ميادين القتال، كيف يكون لحب الدنيا من معنى بالنسبة إليهم؟! وهنا ينبغي أن نقول: " هاهنا ألف مسألة هي أدق من الشعرة " (3). فللإقبال على الدنيا معالم ووجوه، ذلك أن منهم من يتشدد فيها على نفسه حينا، ويعنف بها؛ لكي يكون مشهورا محبوبا بين الناس، ويذيع صيته، ويتحدث المتحدثون باسمه! أجل:
كل من في الوجود يطلب صيدا * إنما الاختلاف في الشبكات وليس للمرء أن يخلص دخيلته فيها ما لم يخلص من حبالة النفس وفخ الشيطان، ومن الواضح أن الإقبال على الدنيا - إذا كان في قالب التدين ولباس أهل الآخرة - أخطر بكثير مما إذا كان في قالب حب الدنيا واللهث وراءها، وفي زي الإتراف. ذلك أن من العسير إدراك هذه الحقيقة من وراء ذلك الظاهر.
ولنا أن نلمس هذه الحقيقة بوضوح في تصوير شامل للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدث فيه عن أصناف الناس في عصره، قال (عليه السلام):