فقد قال (عليه السلام):
" إني فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري ".
إن قتال أدعياء الحق؛ القراء الذين كانت ترنيمات القرآن قد ملأت حياتهم، وجرى على ألسنتهم نداء " لا حكم إلا لله " وهم بسير ربانية الظاهر، عمل جد عسير؛ فهؤلاء كانوا يحيون الليل بالعبادة، ويخرون للأذقان سجدا سجدات طويلة، وجباههم ثفنات من كثرة السجود. وكانوا لا يعرفون حدا لانتقاد غيرهم، واشتهروا بوصفهم رجالا أولي شأن وقوة في الدين. لكن وا أسفاه! إذ كانوا مرضى القلوب، ضيقي الأفكار، صغار العقول.
من هنا كان الاصطدام بتيار " التعمق " - بناء على ما ذكر - مما لم يقدر عليه يومئذ إلا الإمام (عليه السلام) وكان قمعه يتطلب بصيرة وحزما خاصا متميزا لم يقدر عليه سوى علي (عليه السلام). وهذه الكلمة كلمته المشهورة التي نطق بها بعد قتال الخوارج لم يقلها - لذلك - في حربه مع " الناكثين " و " القاسطين " فإنه ما قال في قتال هاتين الطائفتين: " لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري " أو " لولا أنا ما قوتل... "، بيد أنه قال ذلك في قتال الخوارج.