ورسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى جوار ما كانت تعيشه الأمة من تعاليم سيرته الوضاءة التي يتحفها بها من أجل هدايتها واستقامتها على الطريقة، وجعلها الأمة الوسط - كان يدل على القدوة في هذا المجال، ويؤكد تمسك المسلمين بسيرة العترة التي كان يعرفها للأمة بوصفها المثال البارز للاعتدال والوسطية (1). وقد أشار الأئمة (عليهم السلام) إلى منزلة أهل البيت ومكانتهم، من ذلك دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في الصلوات الشعبانية، حيث جاء فيها:
اللهم صل على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة؛ يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق (2).
وهكذا نبه أئمة الدين الناس على لزوم الاعتدال في الفكر والحياة، وأكدوا ذلك. ويمكننا أن ندرك من هذا كله أن الخروج عن جادة الاعتدال، والسقوط في حضيض الإفراط والتطرف لا يستتبع إلا الشذوذ، وربما الانجراف مع تيار الفساد.
ومثل الخوارج - في نطاق الثقافة الإسلامية - تيارا متطرفا ذا مواقف حادة متشنجة بعيدة عن الاعتدال، ونعتوا في الأحاديث النبوية بصفة " التعمق ":
" إن أقواما يتعمقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرمية ".
ونتناول هذا الاصطلاح فيما يأتي بإيجاز قبل أن نتحدث عن جذور تيار الخوارج.