- كما قال (ع) - فامن الأسود والأحمر - على حد تعبير اليعقوبي - (1) ولم ينكل باي أحد من خصومه، وجلس للناس فبايعه الصحيح منهم والجريح ثم عمد إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه على الناس بالسواء، وسار (ع) إلى عائشة فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي الذي أقامت فيه عائشة، فاستقبلته صفية بنت الحارثة شر لقاء فقالت له: يا علي يا قاتل الأحبة أيتم الله بنيك كما أيتمت بني عبد الله، وكان قد قتلوا في المعركة مع عائشة فلم يجبها الامام ومضى حتى دخل على عائشة، فأمرها أن تغادر البصرة وتمضي إلى يثرب لتقر في بيتها كما أمرها الله، ولما انصرف أعادت عليه صفية القول الذي استقبلته به فقال لها: لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت، وهو يشير إلى أبواب الحجرات المقفلة، وكان فيها كثير من الجرحى، وغيرهم من أعضاء المؤامرة، قد آوتهم عائشة، فسكتت صفية، وأراد من كان مع الامام أن يبطشوا بهم فزجرهم زجرا عنيفا، وبذلك فقد منح العفو لأعدائه وخصومه.
وسرح الامام عائشة تسريحا جميلا، وأرسل معها جماعة من النساء بزي الرجال لتقر في بيتها حسب ما أمرها الله، وقد رحلت عائشة من البصرة وأشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد، يقول عمير بن الأهلب الضبي وهو من أنصارها:
لقد أورثتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف الا ونحن رواء أطعنا بني تميم لشقوة جدنا * وما تيم الا أعبد وإماء (2) لقد أوردت أم المؤمنين أبناءها حومة الموت، فقد كان عدد الضحايا من المسلمين فيما يقول بعض المؤرخين عشرة آلاف نصفهم من أصحابها،