فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن الله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إياهم من دورهم إلى دار الغربة واخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب ما أراك الا قد خسرت نفسك، وتبرت دينك (1) وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي والسلام " (2).
لا أكاد أعرف وثيقة سياسة في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجلت الجرائم التي ارتكبها معاوية، والدماء التي سفكها، والنفوس التي أرعبها غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد " والله كم هي هذه الكلمة رقيقة شاعرة (كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك) هذه الكلمة المشبعة بالشعور القومي الشريف وقديما قال الصابي، " إن الرجل من قوم ليست له أعصاب تقسو عليهم " وهو اتهام من الحسين لمعاوية في وطنيته وفوميته، واتخذ من الدماء الغزيرة المسفوكة عنوانا على ذلك " (3).
لقد حفلت هذه المذكرة بالاحداث الخطيرة التي اقترفها معاوية وعماله خصوصا زياد بن سمية الذي نشر الارهاب والظلم بين الناس فقتل على الظنة والتهمة، وأعدم كل من كان على دين الامام أمير المؤمنين الذي هو دين ابن عمه رسول الله (ص) وقد أسرف هذا الطاغية في سفك الدماء بغير حق، ومن الطبيعي انه لم يقترف ذلك الا بايعاز من معاوية فهو الذي عهد إليه بذلك: