السياسة، ورأيت له فوق ذلك صلة كبيرة بمصر والمصريين، فهو أول أمير مسلم ولى مصر بعد أن قضى على دولة الروم فيها، وأتى على الفتن والقلاقل بها، ورفع عن كاهل المصريين نير الروم وظلمهم، فكان عهده أول عهد الحضارات الإسلامية التي رفرفت على ربوع البلاد قاصيها ودانيها، فتوطدت دعائم الأمن وساد السلام، وتألفت بحسن سياسته قلوب مختلف السكان.
ولكن لم يكن كل ذلك لينسيني عظيم المهمة وكبير المسؤولية التي أثقل بها كاهلي، فالمؤرخ مسؤول أمام محكمة التاريخ في كل العصور حاضرها ومستقبلها، ثم إن وضع تاريخ رجل كعمرو يتطلب درس العصر الذي عاش فيه: وهو عصر مترامي الأطراف بعيد المدى طويل الأمد، ويستدعي الالمام بحال الأمة العربية من قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، ثم من عهد الخلفاء الراشدين إلى أوائل الدولة الأموية ليتبين ما قام به عمرو من جليل الأعمال، من اشتراكه في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وتوليته الصدقة بعمان، واشتراكه في حروب الردة، وفتحه الشام وفلسطين ومصر وطرابلس في عهد أبي بكر وعمر، وسياسته مع عثمان وعلي ومعاوية، ولكني أقدمت يدفعني حب البحث والاستطلاع، ثم ميلي لإماطة اللثام عن مسائل نسبها إلى عمرو كثير من المؤرخين، ولكنهم لم يدلوا لنا بحكمهم الصريح فيها، أو رأيهم المقنع لتطمئن له النفس ويستريح له الفؤاد، فكم تضاربت الأقوال في نسبة حريق مكتبة الإسكندرية إلى عمرو، وكم اختلف المؤرخون في تدخله في الخلاف الذي كان بين علي ومعاوية، وفي صلته بالمقوقس.
وما زلت أنتقل في بطون التاريخ غائصا في بحار أخبار عمرو، تارة في كتب العرب وطورا في كتب الفرنجة والمستشرقين، علني أهتدي بعد طويل البحث والتنقيب إلى شوارد من أخباره وشتات من آثاره ولا