المقدمة إلى أبناء وطني العزيز، وإلى الناطقين بالضاد، وإلى الشرقيين عامة أتقدم بهذه الرسالة، وهي صفحة من صحائف البطولة، وتاريخ بطل من أبطال الشرق، وقائد من قواد الإسلام، لا يقل أهمية عن (نابليون) و (بسمارك) وغيرهما من قواد الغرب وساستهم، أتقدم إليهم بتاريخ رجل لو كان منبته الغرب، لما رأيت بين الغربيين إلا مترنما ببسالته معجبا بشجاعته، متفاخرا بدهائه وحكيم سياسته.
ما أحوج الشرق والشرقيين إلى تخليد ذكرى أبطالهم وتدوين آثار عظمائهم ليتوارثها الخلف عن السلف، ولتظل كمرآة يقرأون فيها المثابرة وحب العمل، وكنبراس يصرع ساطع نوره ما يعلق بجفونهم من الكرى وينير شديد ضيائه لهم الطريق - ألا ترى القوم في أوروبا وأمريكا يتبادلون في أعيادهم وأفراحهم سير أبطالهم وتواريخ عظمائهم موشاة بالذهب ومكسوة بالحرير؟
هذا ما خالج نفسي عندما جلست للتفكير في وضع رسالة أتقدم بها إلى الجامعة المصرية لنيل شهادة (الدكتوراه في الأدب)، عقب نجاحي في امتحان (الليسانس في الآداب) فرأيت في عمرو بن العاص ما يصرف المؤرخ إلى تدوين ذكره وآثاره، رأيت فيه بطلا من أبطال العرب، وصورة من صور حركة الانتقال من الوثنية إلى الإسلام، وهاديا من هداة الدين والعالمين على نشر في كثير من البلدان، ورجلا فذا من الرجال القليلين الذين لا يجود بهم الدهر إلا نادرا، وهبه الله عقلا راجحا، وأنار بصيرته بنور الإسلام، قام بأعماله الجليلة بهمة لا تعرف للملل سبيلا. تلك الهمة التي ثلت عروش القياصرة وقضت على آمال القواد العظام وحار أمامها ذكاء مشهوري الرجال وأقطاب