الكتاب يناقض ما ذكره (الطبري) و (ابن الأثير) و (الأمير على الهندي) من أن عمرو بن العاص حين رأى (هرقل) قد سير إليهم أربعة جيوش جرارة لسحق جيوش المسلمين الأربعة مما أدخل الفزع والحيرة في قلوب القواد كاتب أبا بكر وشاور قواد الشام عمرا في أمرهم فأشار عليهم بالاجتماع ليكون لهم بذلك قوة يدفعون بها العدو. إذ لا يتأتى لهم النصر إلا بالمعونة، ورأى أن يكون اجتماعهم باليرموك، فكتب أبو عبيدة بما كتبوا لعمرو فوافاهم كتاب أبي بكر بما رأى عمرو (1).
ومن هنا يعلم أن عمرو بن العاص، وإن لم يكن أمير المسلمين في حرب الشام فقد عرف له المسلمون أصالة الرأي وبعد النظر فاستشاروه في مهام الأمور، ويكفيه فخرا أن جاء جواب أبي بكر مطابقا كل المطابقة لرأيه. وكان من وراء رأيه ما جناه المسلمون من ثمار الانتصار في موقعة اليرموك، مما أضعف العدو وسهل عليهم اجتناء ثمار الفوز والظفر في الوقائع المتوالية.
ولسنا نشك في أن حزم عمرو وحسن رأيه هذين إلى ما أظهره من الخدمة والمهارة من قبل - كل ذلك قد أهل لثقة عمر فيها بعد. فمع أن عمرا وخالد بن الوليد كانا يكادان أن ينزلا منزلة واحدة في الإسلام، ومع أن خالدا قد أظهر من التفوق في حرب الردة وفتح العراق والشام ما كان يعده لإحراز المكانة العليا، فإن عمر لم يرض عنه، ولم يثق به.
ورضى عن عمرو ووثق به طول حياته.