والمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين؟! يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين.
فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تفور، والأرض كيف لم تتزلزل، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم وبالفادح المهول.
بكتك يا أبتاه الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك، يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك، وا ثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك، ومن ربيته صغيرا وواخيته كبيرا، وأحلى (1) أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا، ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج، ثم قالت:
قل صبري وبان عني عزائي * بعد فقدي لخاتم الأنبياء عين يا عين اسكبي الدمع سحا * ويك لا تبخلي بفيض الدماء يا رسول الإله يا خيرة الله * وكهف الأيتام والضعفاء قد بكتك الجبال والوحش جمعا * والطير والأرض بعد بكى السماء وبكاك الحجون والركن والمشعر * يا سيدي مع البطحاء وبكاك المحراب والدرس * للقرآن في الصبح معلنا والمساء وبكاك الإسلام إذ صار في الناس * غريبا من سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت * تعلوه علاه الظلام بعد الضياء