قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهي تنادي وتندب أباها:
وا أبتاه، وا صفياه، وا محمداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، من للقبلة والمصلى، ومن لابنتك الوالهة الثكلى؟!.
ثم أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد (صلى الله عليه وآله)، فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة، فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاؤها إلى أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول:
((رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي، ولا رادا لدمعتي، ولا معينا لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك ولا حزني عليك)).
ثم نادت: يا أبتاه والباه، ثم قالت:
إن حزني عليك حزن جديد * وفؤادي والله صب عتيد (1) كل يوم يزيد فيه شجوني * واكتئابي عليك ليس يبيد جل خطبي فبان عني عزائي * فبكائي في كل وقت جديد إن قلبا عليك يألف صبرا * أو عزاء فإنه لجليد ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه من للأرامل