وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يشفع لهما فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنة رسول الله؟ قالت: بخير بحمد الله، ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى، قالت: فوالله لقد آذيتماني، قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما (1).
قال محمد بن همام: إنها (عليها السلام) لما قبضت غسلها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يحضرها غيره والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وفضة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل ومعه الحسن والحسين، وصلى عليها ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، ودفنها بالروضة وعمى موضع قبرها، وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا.
وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها، ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها، ويرون قبرها.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج مغضبا قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو متوكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس النذير وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآمر.