الدين والهداية، وظلمات الغي والجهالة، وليس المراد إزالتها عن جميعهم، وإلا لم يبق في الخلق ضال كافر بالمرة، بل المراد إزالتها عمن كان قابلا للهداية، أو المراد إزالتها عن الجميع إزالة قوية شأنية لا فعلية، بأن أزال الشبهات وأتى بالدلائل الواضحات والآيات البينات، فهلك من هلك عن بينة، وحي من حي عن بينة، ولعل لهذا المعنى الأخير مقربات من فقرات الخطبة الشريفة، كما لا يخفى لمن تأمل فيها.
والظلمة والظل متقاربان لفظا ومعنى، وظلمة الليل ظل الأرض الحادث بغروب الشمس وكونها تحت الأرض، وظلمة البطن ظل الجسم المحيط به، وظلمة البيت ظل الجدران والسقف المحيطة به وهكذا.
والظلمات المعنوية ظل الكثافات الدنيوية، والكدورات الجسمانية والنفسانية وهكذا، فإن إشراق نور الأزل انما يكون من جهة عالم الباطن، فيقع في عالم الظاهر من جهة كدوراته الحاجبة ظل الجهالة والغواية ونحو ذلك، فتأمل في ذلك فإنه نكتة دقيقة لا يدركها إلا البصر الحديد، ﴿فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد﴾ (١).
﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه﴾ (٢).
﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة﴾ (3) فليس لهم أن يفقهوه.
وسمى الظلم خلاف العدل ظلما لأنه ظلمة حادثة من غروب شمس العقل وقمر العدل، بل العقل والعدل متقاربان لفظا ومعنى بقول فصل ليس بالهزل.
والأصل في الظلم لغة وعرفا هو وضع الشيء في غير موضعه، ومنه قولهم:
من استرعى الذئب على الغنم فقد ظلم، وبعكسه العدل الصوري والمعنوي،