وقيل: إن قوما من السلف كانوا يتأسفون لموت آبائهم، وأمهاتهم، وأولادهم، وإخوانهم، وأقربائهم، وأصدقائهم، فتمثل لهم الشيطان وقال لهم: صوروا صور موتاكم فضعوها في بعض بيوتكم، فإذا اشتقتم إليهم فزوروهم في بيوتكم، ففعلوا كذلك، ثم لما مات السلف واستخلف الخلف، أوقع الشيطان في بالهم ان آباءهم كانوا يعبدون تلك الصور المنحوتة المعمولة لأنها آلهتهم أو صور آلهتهم، فسرى الوهم فضلوا عن السبيل فهم لا يهتدون، وفي بيداء الغي يعمهون.
وقيل: إن جماعة من الأمم السالفة صوروا علماءهم وزهادهم، وجعلوها في حياتهم وبعد وفاتهم في بيوتهم، يزورون تلك الصور تعظيما لشأن أربابها، وتقربا إلى الله سبحانه بتعظيمها، فلما مضى السلف ولم يعرف الخلف جهة ما كان يفعل آباؤهم وأجدادهم، فخيل الشيطان إليهم انهم ما كانوا يفعلون كذلك إلا انهم آلهتهم أو صور آلهتهم، فآل الأمر إلى ما آل، فتاهوا في بيداء الضلال، وقيل غير ذلك مما أوجب وقوعهم في ظلمات المهالك.
قولها (عليها السلام): ((فأنار الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) ظلمها... الخ)).
الظلم - بضم الظاء وفتح اللام - جمع الظلمة كغرف وغرفة، وضمير ظلمها للفرق والأمم، وإنارة الظلمة إزالتها بالنور.
ولما كانت الظلمة هي ظلمة شبهات الجهل والضلالة الثابتة فيهم المحيطة عليهم، كان النور هو نور المعرفة والهداية الذي أتى به النبي (صلى الله عليه وآله) باظهار أحكام الشريعة القويمة، ودعوة الناس إلى تلك الطريقة المستقيمة، فأزال عنهم تلك الظلمة، كما قال تعالى:
﴿أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ (1).
والمراد كما في الأخبار موت الجهل والغواية، وحياة العلم والمعرفة، ونور