وأما الثالث وهو الروح العقلي الذي به يدرك المعارف الشريفة الإلهية، فلا يخفى عليك وجه تمثيله بالمصباح، ولذلك سمى الأنبياء سرجا.
وأما الرابع فهو الروح الفكري، ثم خاصيته أن يبتدئ من أصل واحد ثم يتشعب شعبتان ثم كل شعبة شعبتان، وهكذا إلى أن يكثر الشعب بالتقسيمات العقلية، ثم يفضي بالآخرة إلى نتائج هي ثمراتها، ثم تلك الثمرات تعول فتصير بذورا لأمثالها إذا أمكن تلقيح بعضها بالبعض حتى يتمادى إلى ثمرات ورائها، فبالحري أن يكون مثاله في هذا العالم الشجرة.
وإذا كانت ثمراته مادة لتضاعف أنوار المعارف وثباتها وبقائها، فبالحري أن لا يمثل بشجرة السفرجل والتفاح والرمان وغيرها، بل من جملة سائر الأشجار بالزيتونة خاصة لأن لب ثمراتها هو الزيت الذي هو مادة المصابيح، ويختص من سائر الأدهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان.
وإذا كانت الماشية التي تكثر نسلها، والشجرة التي تكثر ثمرتها تسمى مباركة، فالذي لا يتناهى ثمرته إلى حد محدود أولى أن يسمى شجرة مباركة، وإذا كانت الأفكار العقلية المحضة خارجة عن قبول الإضافة إلى الجهات والقرب والبعد فيه، فبالحري أن تكون لا شرقية ولا غربية.
وأما الخامس فهو الروح القدسي النبوي المنسوب إلى الأولياء، وإذا كانت الروح المفكرة منقسمة إلى ما يحتاج إلى علم، وتنبيه، ومدد من خارج حتى يستمر في أنواع المعارف، وبعضها يكون من شدة الصفاء كأنه متنبه من نفسه من غير مدد من خارج، فبالحري أن يعبر عن الصافي البالغ الصافي الاستعداد بأنه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، وفي الأولياء يكاد يشرق نوره حتى يكاد يستغني عن مدد الملائكة، فهذا المثال موافق لهذا القسم.
وإن كانت هذه الأمور مترتبة بعضها على بعض، والحسي هو الأول وهو كالتوطئة والتمهيد للروح الخيالي، إذ لا يتصور الخيال إلا موضوعا بعده، والفكري والعقلي يكونان بعدهما، فبالحري أن يكون المشكاة كالمحل