من العلويات والسفليات والباطنيات والظاهريات، ويجوز جعل السماوات بمعنى مطلق العلويات، والأرض بمعنى مطلق السفليات، ويرجع ذلك إلى الأول بالاعتبار، فاعتبروا يا اولي الأبصار.
وقوله تعالى: (مثل نوره كمشكاة) الضمير لله أو للنور، وحينئذ إن جعل إضافة النور بيانية، فالنور هو النور المذكور في الفقرة السابقة، وإن جعلت لامية أو ظرفية كان المقصود من نوره نور الله، ونور النور السابق المذكور، كما ورد في الدعاء: ((يا نور النور، يا مدبر الأمور)) (١)، وكما ورد أيضا: ((يا نورا، يا من هو نور)).
وهذا أدخل في المبالغة، وأنسب بالواقع والحقيقة، فيكون الممثل هو نور الله سبحانه، وأما الممثل به فهو نور محسوس بالخصوص، وهو نور السراج الضخم الثاقب النافذ في قنديل من الزجاجة الصافية، والزجاجة في جوف المشكاة النورية الزاهرة، فيكون المراد حينئذ نورا في شئ ذي نور، وهو في شئ آخر ذي نور، فيكون هناك أنوار بعضها فوق بعض، وأضواء بعضها تحت بعض مع شدة الضياء وقوته على ما ظهر مما مر.
والمراد من المثل الصفة، فيكون المراد أن صفة نوره تعالى صفة المشكاة المذكورة، والمراد تشبيه الجملة بالجملة أي المركب بالمركب، لا تشبيه المفرد والجزء كما في قوله تعالى: ﴿أو كصيب من السماء﴾ (٢) أو ﴿كماء أنزلناه من السماء﴾ (3).
ولما كان أصل النور هو الوجود إذ لا نور أكمل منه بالنسبة إلى كل موجود، كما ورد في الخبر: ((إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم رش عليهم من نور الوجود)) (4) والوجود هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره الذي هو معنى النور حقيقة،