الخامس: الروح القدسي النبوي الذي يختص به الأنبياء وبعض الأولياء، وفيه يتجلى لوائح الغيب، وأحكام الآخرة، وجملة من ملكوت السماوات والأرض، بل من المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقلي والفكري، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به﴾ (1) الآية.
وإذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تطبيق ما ذكرناه على المذكور في الآية، فنقول:
أما الروح الحساس فإذا نظرت إلى خاصيته وجدت أنواره من ثقب عدة كالعينين والأذنين والمنخرين وغيرها، وأوفق مثال له في عالم الشهادة المشكاة.
وأما الروح الخيالي فتجد له خواص ثلاثة: إحداها: انه من طينة العالم السفلي الكثيف، لأن الشئ المتخيل ذو مقدار وشكل وجهات محصورة مخصوصة، وهو على نسبة من المتخيل من قرب أو بعد، وشأن الكثيف الموصوف بأوصاف الأجسام أن يحجب عن الأنوار العقلية المحضة التي تتنزه عن الوصف بالجهات والمقادير والقرب والبعد.
الثانية: ان هذا الخيال الكثيف إذا صفى ورقق وهذب وضبط صار موازيا للمعاني العقلية مؤديا لأنوارها، وغير حائل عن إشراق نورها منها.
الثالثة: ان الخيال في بداية الأمر يحتاج إليه جدا ليضبط به المعارف العقلية، فلا تضطرب ولا تتزلزل ولا تنتشر انتشارا يخرج عن الضبط، فنعم المعين الخيالات المثالية للمعارف العقلية.
وهذه الخواص الثلاثة لا تجدها في عالم الشهادة بالإضافة إلى الأنوار المبصرة إلا الزجاجة، فإنها في الأصل من جوهر كثيف صفي ورقق حتى لا يحجب نور المصباح، بل يؤديه على وجهه ثم يحفظه عن الانطفاء بالرياح العاصفة، فهو أولى مثال له.