للزجاجة، فيكون المصباح في زجاجة والزجاجة في مشكاة، وإذا كانت هذه أنوارا بعضها فوق بعض، فبالحري أن يكون نورا على نور.
ثم اعلم أن هذا المثال انما يصلح لقلوب المؤمنين، ولقلوب الأنبياء والأولياء لا لقلوب الكفار، فإن النور سبب للهداية، فالمصروف عن طريق الهدى باطل وظلمة بل أشد من الظلمة، لأن الظلمة لا تهدي إلى الباطل كما لا تهدي إلى الحق، وعقول الكفار انتكست وكذا سائر إدراكاتهم، وتعاونت على الإضلال في حقهم، فمثاله كرجل في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، والبحر اللجي هو الدنيا لما فيها من الأخطار المهلكة، والأشغال المردية، والكدورات المعمية.
والموج الأول الشهوات الداعية إلى الصفات البهيمية، والاشتغال باللذات الحسية، وقضاء الأوطار الدنيوية حتى يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، وبالحري أن يكون هذا الموج مظلما لأن حب الشيء يعمي ويصم.
والموج الثاني موج الصفات السبعية الباعثة إلى الغضب، والعداوة، والبغضاء، والحسد، والحقد، والمباهاة، والتفاخر، والتكاثر، وبالحري أن يكون مظلما لأن الغضب نحول (1) العقل، وبالحري أن يكون هذا هو الموج الأعلى، لأن الغضب في الأكثر مستول على الشهوات حتى إذا هاج أذهل عن الشهوات، وغفل عن اللذات المشتهيات.
وأما الشهوة فلا تقاوم الغضب الهائج أصلا، وأما السحاب فهو الإعتقادات الخبيثة، والظنون الكاذبة، والخيالات الفاسدة التي صارت حجابا بين الكفر والإيمان ومعرفة الحق، والاستضاءة بنور شمس القرآن والعقل، فإن خاصية السحاب أن يحجب إشراق نور الشمس، وإن كانت هذه كلها مظلمة فبالحري أن تكون ظلمات بعضها فوق بعض.