عن صعقة موسى وما جرى له مع ملك الموت، والكل من رواية أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وأجيب بأجوبة. قال: الصحيح منها ما ذهب إليه الامام العلامة الحافظ أبو شامة المقدسي، وقال: انه جواب صحيح أرشد إليه أبو عمرو بن الحاجب قال: ثم وجدت تقريره في الكتاب والسنة عن واحد من العلماء، ان هذه الصعقة المذكورة في الحديث ليست النفخة الواقعة في آخر الدنيا، ولا الثانية التي يعقبها نشور الموتى في قبورهم، فإنما هي صعقة كما في الناس يوم القيامة، فيصعق من في السماوات والأرض الا من شاء الله، وهي المشار إليها في آية الزمر، وذلك أول من حملها على صفة آخر الدنيا، والدليل على أن في آخر يوم القيامة صعقة قوله تعالى: (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) (الطور 45 /) وهذا ظاهر في يوم تعمهم فيه الصعقة، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، وفي رواية: (فأكون أول من تنشق عنه الأرض) قال: وهذا والله أعلم تفسير من الراوي، واللفظ الأول أولى أن يكون محفوظا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من يبعث) فظن بعض الرواة أن المراد من ذلك البعث من القبور فقال: أول من تنشق عنه الأرض والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض حقا كما جاء في حديث آخر، لكن هذا الحديث لا يحتمل هذا اللفظ لأجل قوله: (يوم القيامة) ففي البخاري عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أل من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)، فهذا نص في أن الناس يصعقون في يوم القيامة، وهو تفسير ما في آخر الزمر كما مضى في بعض ألفاظ الحديث الصحيح، وطرق الحديث واختلاف ألفاظه إذا أمكن الجمع بينها لم يضر بعضها بعضا، وعند ذلك تظهر المناسبة في تردد النبي صلى الله عليه وسلم وأن موسى حوسب بصعقة الطور، لأنها من جنس ما أصاب الناس، وقدر الله أن بعض الناس مستثنى منه بقوله: (الا من شاء الله) (الزمر / 68) فجاز أن يكون منهم، ونحوه أجاب ابن القيم. وأنه قال: فان قيل: فما يصعقون؟ بقوله: (فلا أدري أفاق قبلي، أما كان ممن استثنى - عز وجل -)، والذين استثناهم (1) الله - عز وجل -، هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة، كما قال الله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله) (الزمر 68). ثم نفخ فيه أخرى ولم يقع الاستثناء في صعقة الخلائق يوم القيامة، قيل: هذا - والله أعلم - غير محفوظ، وهو وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ما تواطأت عليه الروايات الصحيحة من قوله: (لا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)، فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة، هي صعقة النفخ، وأن موسى داخل فيمن استثنى الله تعالى منها، وهذا لا يلتئم على سياق الحديث قطعا، فان الإفاقة حينئذ
(٣٨١)