فلما سمع أمير المؤمنين ذلك بكى حتى اخضلت لحيته من الدموع، وقال الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا، ثم دعا الناس فقال: اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم، فسمعوا وحمدوا الله وشكروه إذا لهمهم أمير المؤمنين (ع) وسار والراهب بين يديه وقاتل معه أهل الشام، واستشهد فتولى أمير المؤمنين الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له، وكان إذا ذكره يقول: ذاك مولاي وفي هذا الخبر ضروب من المعجز: (أحدها) علم الغيب والقوة التي خرق بها العادة، وتميزه بخصوصيتها من الأنام مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب الله الأولى، وفي ذلك يقول إسماعيل بن محمد الحميري المعروف بالسيد في قصيدته البائية:
ولقد سرى فيما يسير بليلة بعد العشاء بكربلاء في موكب حتى أتى متبتلا في قائم ألقى قواعده بقاع مجدب فدنا فصاح به فأشرف ماثلا كالنسر فوق شظية من مرقب هل قرب قائمك الذي بوأته ماء يصاب؟ فقال: ما من مشرب إلا بغاية فرسخين ومن لنا بالماء بين نقا أو سبسب فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى ملساء تلمع كاللجين المذهب قال أقلبوها إنكم ان تقلبوا ترووا ولا تروون ان لم تقلب فاعصوصبوا في قلبها فتمنعت منهم تمنع صعبة لم تركب حتى إذا أعيتهم أهوى لها كفا متى يرد المغالب تغلب فكأنها كرة بكف حزور عبل الذراع دحى بها في ملعب فسقاهم من تحتها متسلسلا عذبا يزيد على الألذ الأعذب حتى إذا شربوا جميعا ردها ومضى فخلت مكانها لم يقرب