بالسراب، فإنه قد أبان في هذا الحديث عن عدة أمور تدل على بهتانه، وتنبئ انه ثنى عن الهدى فضل عنانه، وركب هواه جامحا في باطله، تابعا لشيطانه، وملك حب الدنيا قلبه فقاده في أشطانه وصدفه عن الآخرة فما تخطر على قلبه ولا تجرى على لسانه.
وبيان ذلك أنه قد يغلب على الانسان هواه عند ميل نفسه إلى أمر ما فيعمى عن الحق ويضل عن الصواب، ويترك الهدى كما قيل حبك الشئ يعمي ويصم، فلا يزال خابطا في جهالته راكبا لهواه متبعا ميل نفسه، حتى إذا بلغ غرضه ونال منيته، وسكنت دواعيه الهائجة: وقرت نفسه التواقة الثائرة راجع الحق وعرفه، ولام هواه وعنفه، واسترجع وندم واضرب عن ذلك الامر ونسيه أو تناساه، وأحب أن لا يذكر ولا تجرى به الألسنة، وسكت من عساه يفيض فيه وبكته، وعادى من أعاده وردده ونكبه، وعرف انه كان مخطئا غير مصيب، وتعلل بأنه جرى القضاء وفات الامر ونفد السهم.
وهذا معاوية كان أعرف الناس بفضل علي عليه السلام وشرفه واستحقاقه هذا الامر ومكانه وقرابته من النبي صلى الله عليه وآله فغلب حب الدنيا معرفته، وترك حظه من الآخرة، وفعل ما فعل من حرب علي عليه السلام ومناصبته وخسر الدنيا والآخرة بما أقدم عليه، ثم هو بعد بلوغه ما أراد وانتقال أمير المؤمنين عليه السلام إلى جوار الله تعالى مستمر على ما كان عليه، لا يراقب الله ولا رسوله ولا يستحى من الصحابة ناطقا بملء ء فيه، اما كنت أحق وأولى بهذا الامر من ابن عمك؟ ثم جعله الدليل على استحقاقه كونه ابن عمه عثمان، وهل هذا إلا جهل محض أو تغاب عن الحق وقوله لسعد: لم تعرف حقنا من باطل غيرنا استهانة بالله ورسوله، واستخفاف بجلة الصحابة وجرأة على قول المحال، ثم انكاره ما أورده سعد حتى سأل عنه أم سلمة، وهذا القول وأمثاله من النبي