كدودة تعلقت بخشبة فما دامت فوقها فهي في خوف شديد وإن هي تحركت غرقت، ولو أن أمير المؤمنين يرى تلاطم أمواج البحر وأنواع الأهوال التي يمكن أن توجد فيه فسيزداد برأيه تمسكا ولن يسمح لاحد من المسلمين بالمخاطرة بذلك. وهذا هو مقدار معرفتي بأحوال البحر. كتبتها إليك والسلام.
فحين وصل هذا الجواب إلى عمر وعلم بمضمونه، سر بموافقة عمرو له في رأيه بأن لا يخوضوا البحر وأعاد الجواب إلى معاوية على هذا الشكل. أما بعد (1).
فاعلم يا معاوية بأن الله تعالى قد جعلني راعيا لامة محمد صلى الله عليه وسلم، وإني أستعين بالله على قيام مصالحهم ولا أرى أن أعرضهم لخطر البحر ومع هذا فقد استخرت وتشاورت مع جماعة ممن عاينوا أخطار البحر ولهم في ذلك سابقة فلم يروا المصلحة بذلك ووافقوني على كراهيتي لركوب المسلمين البحر فدع منك هذه الفكرة ولا تذكرها مرة أخرى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وإذ وصل جواب أمير المؤمنين عمر إلى معاوية، أيقن بأن عمرو بن العاص هو الذي أشار على عمر بذلك فقال: إن عمروا لم يرد أن تفتح قبرص على يدي ولو أن أمير المؤمنين أجاز له مثل هذا العمل لأسرع إلى ركوب البحر وانطلق مستعجلا وقد بلغ هذا الكلام لأمير المؤمنين فقال: صدق معاوية فلو أننا أجزنا لعمرو بن العاص ذلك لسار بدون تأخر، وتوقف المشروع إلى أيام عثمان حيث تم فتح قبرص على يد جيش المسلمين كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى (2). واستقر معاوية في الشام وخضعت له جميع أطرافها وسواحل البحر وكان يجبي الخراج وقد سكن المسلمون هناك، وأقاموا المساجد وتوطنوها حتى صارت الشام بلادا إسلامية. أما عمرو بن العاص فقد أتم فتح مصر (3) واستقر في الإسكندرية وأمره بعد ذلك أمير المؤمنين عمر بأنه يتوجه إلى بلاده النوبة وأمره بفتحها كما وجهه إلى بلاد البربر وبرقة وطرابلس الغرب (4) وما وراءها حتى طنجة وأقصى بلاد السوس. فأمر عمرو بن العاص أن يوزع على الجنود خراج مدينة الإسكندرية ومقدارها عشرة آلاف دينار. ثم اتجه إلى بلاد النوبة.