قال: اكتب هذا ما أوصى به أبو بكر عبد الله بن عثمان عند آخر عهده بالدنيا فهو خارج منها وأول عهده بالآخرة وهو داخل فيها أنه استخلف على الأمة عمر بن الخطاب، فان قصد الحق فذاك ظني به ورجائي فيه، وإن بدل وغير فلكل امرئ ما اكتسب (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (1).
قال: ثم دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما جاء وقعد بين يديه فقال له أبو بكر: يا عمر! إ نه قد أبغضك مبغض وأحبك محب وقديما كان الشر يحب والخير يبغض، فدونك هذا العهد فخذه إليك، فأنت خليفتي من بعدي على الأمة. فقال عمر: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنه لا حاجة لي فيها، فقال أبو بكر: فإن لم يكن لك فيها حاجة فإن بها إليك حاجة، وبعد فإني ما حبوتك بالخلافة ولكني حبوت الخلافة بك، ومع ذلك فإني أحذرك نفسك فإن النفس لامارة بالسوء، وأحذرك بعد نفسك الناس فإنه قد شخصت أبصارهم وانتفخت أجوافهم وتمنى كل واحد منهم أمنية (2)، واعلم يا عمر! فإنهم منك خائفون ما خفت الله تعالى وانزه عن هواك، واعلم يا عمر! إن الله تعالى حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار، واعلم أنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، وقد علمت يا عمر أن الله تبارك وتعالى ذكر أهل الجنة بحسن أعمالهم وذكر أهل النار بسوء أفعالهم وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباع الحق، [وإنما -] خفت [موازين -] من خفت موازينه [يوم القيامة -] باتباع الباطل، وقد علمت يا عمر أن الله عز وجل أنزل آية الرخاء مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون المؤمن في هذه الدنيا راغبا راهبا ولا يلقي بيده إلى التهلكة، فانظر يا عمر! لا تتمن على الله إلا الحق ولا يكونن شئ هو أحب إليك من الموت ولا أبغض إليك من الحياة، وإياك والذخيرة فإن ذخيرة الامام تفسد عليه دينه وتسفك دمه، فاحفظ وصيتي يا عمر ولا تنسها، واحفظ المهاجرين والأنصار واعرف لهم حقهم وفضائلهم ولا تفضهم ولا تباعدهم