وقال ابن حزم: فمن ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم شك قط في قدرة ربه - تعالى - فقد كفر، وهذا الحديث حجة لنا، ونفي الشك عن إبراهيم أو لو كان هذا الكلام من إبراهيم شكا، لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهده إبراهيم ليس شاكا، فإبراهيم أبعد من الشك، ومن نسب هاهنا إلى الخليل الشك فقد نسب إليه الكفر، ومن كفر نبيا فهو كافر، وأيضا فلو كان ذلك شكا من إبراهيم، كذا نحن أحق بالشك منه، فنحن إذا شكاك أو جاحدون كفار، وهذا كلام نعلم ولله الحمد بطلانه من أنفسنا، ونحن ولله الحمد مؤمنون مصدقون بالله وقدرته على كل شئ يسأل عنه.
قال كاتبه - والذي أثار هذا ما حكاه محمد بن جرير الطبري، عن ابن جرير، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى). قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير) ليريه.
ثم احتج الطبري بقوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم. قال الطوفي:
وليس هذا بشئ، إذ برهان القدرة واضح فكيف مثله على إبراهيم عليه السلام مع استخراجه حدوث العالم، وقدم الصانع بلطف النظر من أقوال الكواكب والشمس والقمر.
وقد أورده بعضهم أن قول إبراهيم: بلى أنه آمن أي بلى، آمنت، وقوله:
(ولكن ليطمئن قلبي)، يقتضي أن قلبه لم يطمئن إلى الآن، لكن الإيمان يلزمه الطمأنينة، وحينئذ يصير كأنه قال: آمنت ما آمنت أو اطمأن قلبي ولم يطمئن، وهو تناقض.
وأجيب بأن معناه بلى آمنت بالقدرة ولكن ليطمئن قلبي، وكان قد جعل إظهاره على إحياء الموتى علامة على اتخاذه خليلا وعلى هذا فلا تناقض، وهذا كان قريبا ممكنا غير أن المختار غيره، وهو أن الإيمان يستند إلى العلم، والعلم له مراتب:
علم اليقين: وهو ما حصل عن النظر والاستدلال.
عين اليقين: وهو ما حصل عن شهادة ويقين عيان.