ونحوها فرار يونس - عليه السلام - خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب، وقول الله - تعالى - في يونس: ﴿فظن أن لن نقدر عليه فنادى﴾ (١) معناه أن نضيق عليه مسلكه في خروجه، وقيل: حسن ظنه بمولاه أنه لا يقتضي عليه العقوبة، وقيل: يقدر عليه ما أصابه، وقد قرئ (نقدر عليه) بالتشديد، وقيل: نؤاخذه بغضبه، وقال ابن زيد: معناه أفظن أن لن نقدر عليه؟
على الاستفهام؟ ولا يليق أن يظن بنبي أن يجهل بصفة من صفات ربه، وكذلك قوله تعالى: (إذ ذهب مغاضبا) (٢)، لقومه لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضحاك، وغيرهم، ولا لربه، إذ مغاضبة الله معاداة له، ومعاداة الله كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء - عليهم السلام - وقيل: مستحييا من قومه أن يسموه بالكذب، أو يقتلونه كما ورد في الخبر.
وقيل: مغاضبا لبعض الملوك فيما أمره به، من التوجه إلى أمر ربه الذي أمره به على لسان نبي آخر، فقال له يونس غيري أقوى عليه مني فعزم عليه فخرج لذلك مغاضبا. وقد روى عن ابن عباس - رضي الله تبارك وتعالى عنه - أن إرسال يونس رسوله إنما بعد أن الحوت، واستدلت الآية بقوله: ﴿فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون﴾ (٣)، ثم قال: ﴿فاجتباه ربه فجعله من الصالحين﴾ (٤)، فتكون هذه العصمة إذا قبل نسوته.
وقال أبو محمد بن حزم: فإن ذكروا أمر يونس - عليه السلام - بقوله - تعالى - عنه: ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه﴾ (5)، وقوله - تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم