قلت: المراد بالعصمة هنا منع الأنبياء عليهم السلام من المعاصي، وقد اتفقت الأمة على أن الأنبياء معصومون من الكفر، إلا الفضيلية من الخوارج فإنهم يجوزون صدور الذنب عنهم، وهو كفر عندهم وجوزت الروافض عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في تبليغ الشرائع والأحكام عن الله - تعالى - لا عمدا ولا سهوا وإلا لم يوثق بشئ من الشرائع، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم تعمدا الخطأ في الفتوى فأما على سبيل السهو فقدا اختلفوا فيه، وأما ما يتعلق بأحوالهم وأفعالهم فقد اختلف فيه على خمسة مذاهب:
الأول: قالت: الحشوية يجوز عليهم الأقدام على الكبائر والصغائر.
الثاني: قال: أكثر المعتزلة لا يجوز تعمد الكبيرة ويجوز تعمد الصغيرة إن لم يكن منفرا، فإن كان منفرا فلا يجوز عليهم كالتضعيف دون الحية.
الثالث: قال: لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة ولا الصغيرة ولكن يجوز على سبيل الخطأ.
الرابع: لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة، ولا عمدا ولا بالتقويل الخطأ.
الخامس: قالت: الروافض لا يجوز ذلك لا عمدا ولا تقويلا، ولا سهوا ولا نسيانا.
ثم هذه العصمة عند الأكثرين لم تجب إلا في زمان النبوة، وعند غير الروافض تجب من أول العمر، وذهب أبو محمد علي بن حزم إلى أن الملائكة لا تعصي البتة بوجه من الوجوه لا بعمد، ولا بخطأ ولا بسهو، ولا كبيرة، ولا صغيرة، وأن الأنبياء لا يعصون البتة بعمد لا صغيرة، ولا كبيرة، وربما كان منهم الشئ - على سبيل السهو وعلى سبيل إرادة الخير - فلا يوافقون مراد الله - تعالى إلا أنهم لا يقارهم الله على ذلك بل نبهم وربما عاقبهم على ذلك في الدنيا بالكلام، وربما ببعض المكروه في الدنيا كالذي أصاب يونس عليه السلام.
وهم - عليهم السلام - بخلافنا في هذا فإننا غير مؤاخذين بما سهونا فيه، ولا بما قصدنا به وجه الله - تعالى، بل نحن مأجورون على هذا الوجه،