وأما حديث أبي حميد الساعدي (1) فخرجه البخاري (2) ومسلم (3) وأبو داود (4) والنسائي (5) فخرجه البخاري من طريق عبد الله بن يوسف.
(١) هو أبو حميد الساعدي الصحابي المشهور، اسمه عبد الرحمن بن سعد، ويقال: عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: اسم جده مالك، وقيل هو عمرو بن سعد بن المنذر بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو، ويقال: إنه عم سهل بن سعد.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وله ذكر معه في الصحيحين. روى عنه ولده سعيد بن المنذر بن أبي حميد، وجابر الصحابي، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الملك بن سعيد بن سويد، وعمرو بن سليم، وعروة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهم.
قال خليفة وابن سعد وغيرهما: شهد أحدا وما بعدها، وقال الواقدي: توفي في آخر خلافة معاوية، أو أول خلافة يزيد بن معاوية. (الإصابة): ٧ / ٩٤ - ٩٥، ترجمة رقم (٩٧٨٧). (الإستيعاب): ٤ / ١٦٣٣، ترجمة رقم (٢٩٢١)، (تهذيب التهذيب):
١٢ / ٨٥ - ٨٦، ترجمة رقم (٣٣٩).
(٢) (فتح الباري): ١١ / ٢٠٢ - ٢٠٣، كتاب الدعوات، باب (٣٣) هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) حديث رقم (٦٣٦٠) قوله (باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم؟ أي استقلالا أو تبعا، ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون، فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث:
أحدها: حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه " وصل علي وعلى سائر النبيين " أخرجه الترمذي والحاكم، وحديث بريدة رفعه " لا تتركن في التشهدالصلاة علي وعلى أنبياء الله " الحديث أخرجه البيهقي بسند واه، وحديث أبي هريرة رفعه " صلوا على أنبياء الله " الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف، وحديث ابن عباس رفعه " إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله، فإن الله بعثهم كما بعثني. " أخرجه الطبراني ورويناه في (فوائد العيسوي) وسنده ضعيف أيضا، وقد ثبت عن علي بن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال " ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند، وحكى القول عن مالك وقال: ما تعبدنا به، وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك يكره.
وقال عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان يكره أن يصلي إلا على نبي ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك: لا يجوز أن نصلي إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وخالفه يحيى بن يحيى فقال: واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة لا يمنع إلا بنص أو إجماع.
قال عياض: والذي أميل إليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا: يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعني استقلالا لم تكن من الأمر بالمعروف، وإنما أحدثت في دولة بني هاشم، وأما الملائكة فلا أعرف فيه حديثا نصا وإنما يؤخذ ذلك من الذي قبله إن ثبت، لأن الله تعالى سماهم رسلا، وأما المؤمنون فاختلف فيه، فقيل: لا تجوز إلا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وحكى عن مالك كما تقدم، وقالت طائفة: لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو الحق به قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) ولأنه لما علمهم السلام قال: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " ولما علمهم الصلاة قصر عليه وعلى أهل بيته، وهذا القول اختاره القرطبي في (المعجم) وأبو المعالي من الحنابلة، وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب، واختيار ابن تيمية من المتأخرين. وقالت طائفة: تجوز مطلقا ولا تجوز استقلالا، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة، وقالت: تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد.
وقال النووي: هو خلاف الأولى، وقالت طائفة: تجوز مطلقا، وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهو قول الله تعالى: (وصل عليهم) ثم الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا، فأما الأول وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة، ووقع مثله عن قيس بن عبادة. " أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو يقول: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد.
وفي حديث جابر " أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي ففعل. أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه ابن حبان، وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبراني، واحتجوا بقوله تعالى:
(هو الذي يصلي عليكم وملائكته) وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة مرفوعا " إن الملائكة تقول لروح المؤمن صلى الله عليك وعلى جسدك " وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من الله ورسوله ولهما أن يخصا ما شاءا بما شاءا وليس ذلك لأحد غيرهما.
وقال البيهقي: يحمل قول ابن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم إلا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة.
وقال ابن القيم: المختار أن يصلي على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجماع، وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة، فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الأحاديث من غير أن يتخذ شعارا لم يكن به بأس، ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك له وهو من أدى زكاته إلا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة.
(تنبيه): اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل: يشرع مطلقا، وقيل بل تبعا، ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.
وأخرجه البخاري أيضا في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3369).
(3) (مسلم بشرح النووي): 4 / 370، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث رقم (69) قال الإمام النووي: احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف العلماء فيه فقال مالك والشافعي، والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر أو عمر، أو علي. أو غيرهما، ولكن يصلي عليهم تبعا، فيقال: اللهم صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه، كما جاءت به الأحاديث.
وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وبقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على أبي أوفى.
وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية، فإنما جاء على التبع، لا على الاستقلال (شرح النووي).
(4) (سنن أبي داود): 1 / 599 - 600، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث رقم (979).
(5) (سنن النسائي): 3 / 57، كتاب السهو، باب (54) نوع آخر من الصلاة على النبي، حديث رقم (1293).