بمعنى (ما) وإنما هي وجحد بمعنى، وما كنت في شك وأمره أن يسأل أهل الكتاب تقريرا لهم على أنهم يجدونه حقا في التوراة والإنجيل، وقال القرطبي:
وقيل: الشك ضيق الصدر، أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر وسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر الأنبياء قبلك على أذى قومهم، وكيف كانت عاقبة أمرهم، فالشك في اللغة أصله الضيق يقال: شك الثوب أي ضمه بخلال حتى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تمتد علائقها حتى تقبض، فالشك يقبض الصدور ويغمها حتى تضيق.
وقال الطوفي: قد يتوهم من ظاهرها أنه صلى الله عليه وسلم اعترضه شك في بعض الأوقات فيما أنزل إليه - كما توهمه بعض النصارى - فأورده متعلقا به، وليس كذلك في أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الشك والارتياب لقوله تعالى: ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ (١)، وإنما وجه الآية: صرف الخطاب إلى من يجوز عليه الشك من أتباعه وأخصامه: ﴿كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده الكتاب﴾ (٢)، ﴿فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ (٣)، فإن لم يكن بد من صرف الكلام إليه على ظاهر اللفظ فمعناه على تقدير إن تشك فاسأل وإن كان ذلك التقدير لا يقع نحو: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (٤)، أي لو قدر آلهة أخرى لزم الفساد، لكن ذلك التقدير ممتنع.
وقال القاضي عياض: فإن قيل فيما معنى قوله تعالى: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ (5) - على قراءة التخفيف؟ قلنا:
المعنى في ذلك، ما قالته عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها - معاذ الله أن تظن الرسل بربها، وإنما معنى ذلك أن الرسل لما استيأسوا ظنوا أن من وعدهم النصر من أتباعهم كذبوهم وعلى هذا أكثر المفسرون.