إنك قلت (ما على المحسنين من سبيل) [التوبة: 91] وقد أقررنا بالإساءة فاعف عنا واغفر لنا.
قال: فسقوا يومهم ذلك. وقال أيضا: سمعته يقول: لقد أدركت أقواما يشتدون بين الاغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جثهم الليل كانوا رهبانا. وسمعته أيضا يقول: لا تنظر إلى صغر الذنب وانظر إلى من عصيت. وسمعته يقول: من بادأك بالود فقد استرقك بالشكر. وكان من دعائه: اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب، ومن تبعات الذنوب، ومن مرديات الأعمال ومضلات العين. وقال الأوزاعي عنه أنه قال: عباد الرحمن لو أنتم لم تدعوا إلى الله طاعة إلا عملتموها ولا معصية إلا اجتنبتموها، إلا أنكم تحبون الدنيا لكفاكم ذلك عقوبة عند الله عز وجل. وقال: إن الله يغفر الذنوب لمن تاب منها، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقف العبد عليها يوم القيامة.
ترجمة الجعد بن درهم هو أول من قال بخلق القرآن، وهو الذي ينسب إليه مروان الجعدي، وهو مروان الحمار، آخر خلفاء بني أمية. كان شيخه الجعد بن درهم، أصله من خراسان، ويقال إنه من موالي بني مروان، سكن الجعد دمشق، وكانت له بها دار بالقرب من القلاسيين إلى جانب الكنيسة، ذكره ابن عساكر. قلت: وهي محلة من الخواصين اليوم غربيها عند حمام القطانين الذي يقال له حمام قلينس. قال ابن عساكر وغيره: وقد أخذ الجعد بدعته عن بيان بن سمعان، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم، زوج ابنته، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن يهودي باليمن، وأخذ عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري، وقيل الترمذي، وقد أقام ببلخ، وكان يصلي مع مقاتل بن سليمان في مسجده ويتناظران، حتى نفي إلى ترمذ، ثم قتل الجهم بأصبهان، وقيل بمرو، قتله نائبها سلم بن أحوز رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرا، وأخذ بشر المريسي عن الجهم، وأخذ أحمد بن أبي دواد عن بشر، وأما الجعد فإنه أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة، فلقيه فيها الجهم بن صفوان فتقلد هذا القول عنه، ثم إن خالد بن عبد الله القسري قتل الجعد يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك أن خالدا خطب الناس فقال في خطبته تلك: أيها الناس ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا. ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
وقد ذكر هذا غير واحد من الحفاظ منهم البخاري وابن أبي حاتم والبيهقي وعبد الله بن أحمد وذكره ابن عساكر في التاريخ، وذكر أنه كان يتردد إلى وهب بن منبه، وأنه كان كلما راح إلى وهب يغتسل ويقول: أجمع للعقل، وكان يسأل وهبا عن صفات الله عز وجل فقال له وهب يوما: ويلك يا جعد، اقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يدا ما قلنا ذلك، وأن له عينا ما قلنا ذلك، وأن له نفسا ما قلنا ذلك، وأن له سمعا ما قلنا ذلك، وذكر