رغب عن مصرعه، ولا نجا أحد منهم إلا حمد الله الذي سلمه. ومن أعيان من قتل الحجاج عمران بن عصام الضبعي، والد أبي حجزة، كان من علماء أهل البصرة، وكان صالحا عابدا، أتي به أسيرا إلى الحجاج فقال له: اشهد على نفسك بالكفر حتى أطلقك، فقال: والله إني ما كفرت بالله منذ آمنت به، فأمر به فضربت عنقه. عبد الرحمن بن أبي ليلى، روى عن جماعة من الصحابة، ولأبيه أبي ليلى صحبة، أخذ عبد الرحمن القرآن عن علي بن أبي طالب: خرج مع ابن الأشعث فأتي به الحجاج فضرب عنقه بين يديه صبرا.
ثم دخلت سنة أربع وثمانين قال الواقدي: فيها افتتح عبد الله بن عبد الملك المصيصة، وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فقتل منهم خلقا وصرف كنائسهم وضياعهم وتسمى سنة الحريق، وفيها استعمل الحجاج على فارس محمد بن القاسم الثقفي، وأمره بقتل الأكراد. وفيها ولى عبد الملك الإسكندرية عياض بن غنم البجيني وعزل عنها عبد الملك بن أبي الكنود الذي كان قد وليها في العام الماضي. وفيها افتتح موسى بن نصير طائفة من بلاد المغرب من ذلك بلد أرومة، وقتل من أهلها بشرا كثيرا جدا، وأسر نحوا من خمسين ألفا. وفيها قتل الحجاج أيضا جماعة من أصحاب ابن الأشعث، منهم:
أيوب بن القرية وكان فصيحا بليغا واعظا، قتله صبرا بين يديه، ويقال إنه ندم على قتله. وهو أيوب بن زيد ابن قيس أبو سليمان الهلالي المعروف بابن القرية. وعبد الله بن الحارث بن نوفل. وسعد بن إياس الشيباني، وأبو غنينما الخولاني. له صحبة ورواية، سكن حمص وبها توفي وقد قارب المائة سنة.
عبد الله بن قتادة، وغير هؤلاء جماعة منهم من قتلهم الحجاج، ومنهم من توفي. أبو زرعة الجذامي الفلسطيني، كان ذا منزلة عند أهل الشام، فخاف منه معاوية ففهم منه ذلك أبو زرعة فقال يا أمير المؤمنين لا تهدم ركنا بنيته، ولا تحزن صاحبا سررته، ولا تشمت عدوا كبته، فكف عنه معاوية.
وفيها توفي عتبة بن منذر السلمي صحابي جليل، كان يعد في أهل الصفة. عمران بن حطان الخارجي، كان أولا من أهل السنة والجماعة فتزوج امرأة من الخوارج حسنة جميلة جدا فأحبها. وكان هو دميم الشكل، فأراد أن يردها إلى السنة فأبت فارتد معها إلى مذهبها. وقد كان من الشعراء المفلقين، وهو القائل في قتل علي وقاتله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا أكرم بقوم بطون الطبر قبرهم * لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا