لأحسبه لا يصيب ذنبا، لأنه ليله قائما ونهاره صائما، وقال بعضهم: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: أتت علي ثلاثون ومائة سنة وما مني شئ إلا وقد أنكرته خلا أملي فإني أجده كما هو. وقال ثابت البناني عن أبي عثمان. قال: إني لا علم حين يذكرني ربي عز وجل، قال فيقول: من أين تعلم ذلك؟ فيقول قال الله تعالى (فاذكروني أذكركم) [البقرة: 152] فإذا ذكرت الله ذكرني. قال:
وكنا إذا دعونا الله قال: والله لقد استجاب الله لنا، قال الله تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [المؤمن: 60] قالوا: وعاش مائة وثلاثين سنة، قاله هشيم وغيره. قال المدائني وغيره:
توفي سنة مائة، وقال الفلاس: توفي سنة خمس وتسعين، والصحيح سنة مائة والله أعلم.
وفيها توفي عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وكان يفضل على والده في العبادة والانقطاع عن الناس، وله كلمات حسان مع أبيه ووعظه إياه.
ثم دخلت سنة إحدى ومائة فيها كان هرب يزيد بن المهلب من السجن حين بلغه مرض عمر بن عبد العزيز، فواعد غلمانه يلقونه بالخيل في بعض الأماكن، وقيل بابل له، ثم نزل من محبسه ومعه جماعة وامرأته عاتكة بنت الفرات العامرية، فلما جاء غلمانه ركب رواحله وسار، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز: إني والله ما خرجت من سجنك إلا حين بلغني مرضك، ولو رجوت حياتك ما خرجت، ولكني خشيت من يزيد بن عبد الملك فإنه يتوعدني بالقتل (1)، وكان يزيد يقول: لئن وليت لأقطعن من يزيد بن المهلب طائفة، وذلك أنه لما ولي العراق عاقب أصهاره آل أبي عقيل، وهم بيت الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان يزيد بن عبد الملك مزوجا ببنت محمد بن يوسف (2)، وله ابنه الوليد بن يزيد الفاسق المقتول كما سيأتي. ولما بلغ عمر بن عبد العزيز أن يزيد بن المهلب هرب من السجن قال: اللهم إن كان يريد بهذه الأمة سوءا فاكفهم شره واردد كيده في نحره، ثم لم يزل المرض يتزايد بعمر بن عبد العزيز حتى مات وهو بخناصرة، من دير سمعان بين حماه وحلب، في يوم الجمعة، وقيل في يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب من هذه السنة - أعني سنة إحدى ومائة - عن تسع وثلاثين سنة وأشهر، وقيل إنه جاوز الأربعين بأشهر فالله أعلم.