إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم * يذوبون من حر الصديد (1) تمزقا قال: فبكى الحسن حتى بل الثرى ثم التزم الفرزدق، وقال: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي. وقال له بعض الناس: ألا تخاف من الله في قذف المحصنات، فقال: والله لله أحب إلي من عيني اللتين أبصر بهما، فكيف يعذبني؟ وقد قدمنا أنه مات سنة عشر ومائة قبل جرير بأربعين يوما (8)، وقيل بأشهر فالله أعلم.
وأما الحسن وابن سيرين فقد ذكرنا ترجمة كل منهما في كتابنا التكميل مبسوطة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فأما الحسن بن أبي الحسن فاسم أبيه يسار وأبرد هو أبو سعيد البصري مولى زيد بن ثابت، ويقال مولى جابر بن عبد الله وقيل غير ذلك، وأمه خيرة مولاة لام سلمة كانت تخدمها، وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس. وسئل مرة أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا عنها مولانا الحسن، فإنه سمع وسمعنا، فحفظ ونسينا، وقال أنس مرة: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين - الحسن وابن سيرين - وقال قتادة: ما جالست رجلا فقيها إلا رأيت فضل الحسن عليه، وقال أيضا: ما رأت عيناي أفقه من الحسن، وقال أيوب: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن مسألة هيبة له، وقال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة: إذا نظرت إلى رجل أجمل أهل البصرة وأهيبهم فهو الحسن، فأقرأه مني السلام. وقال يونس بن عبيد: كان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه، وقال الأعمش: ما زال الحسن