كثيرة، وقتلوا أنعاما كثيرة، فلما أصبح أمر نصر بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حريقه أشد عليهم من قتله، وانصرفوا خائبين صاغرين خاسرين، ثم كر نصر على بلادهم فقتل منهم خلقا وأسر أمما لا يحصون كثرة، وكان فيمن حضر بين يديه عجوز كبيرة جدا من الأعاجم أو الأتراك، وهي من بيت مملكة، فقالت لنصر بن سيار: كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فهو ليس بملك، وزير صادق يفصل خصومات الناس ويشاوره ويناصحه، وطباخ يصنع له ما يشتهيه، وزوجة حسناء إذا دخل عليها مغتما فنظر إليها سرته وذهب غمه وحصن منيع إذا فزع رعاياه لجأوا إليه فيه، وسيف إذا قارع به الاقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين ما وقع من الأرض عاش بها.
وحج بالناس فيها محمد بن هشام بن إسماعيل نائب مكة والمدينة والطائف، ونائب العراق يوسف بن عمر، ونائب خراسان نصر بن سيار، وعلى أرمينية مروان بن محمد.
ذكر من توفي فيها من الأعيان:
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والمشهور أنه قتل في التي بعدها كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
مسلمة بن عبد الملك ابن مروان القرشي الأموي، أبو سعيد وأبو الأصبغ الدمشقي، قال ابن عساكر: وداره بدمشق في حجلة القباب عند باب الجامع القبلي، ولي الموسم أيام أخيه الوليد، وغزا الروم غزوات وحاصر القسطنطينية، وولاه أخوه يزيد إمرة العراقين، ثم عزله وتولى أرمينية. وروى الحديث عن عمر بن عبد العزيز، وعنه عبد الملك بن أبي عثمان، وعبيد الله بن قزعة، وعيينة والد سفيان بن عيينة وابن أبي عمران، ومعاوية بن خديج، ويحيى بن يحيى الغساني.
قال الزبير بن بكار: كان مسلمة من رجال بني أمية، وكان يلقب بالجرادة الصفراء، وله آثار كثيرة، وحروب ونكاية في العدو من الروم وغيرهم. قلت: وقد فتح حصونا كثيرة من بلاد الروم.
ولما ولي أرمينية غزا الترك فبلغ باب الأبواب فهدم المدينة التي عنده، ثم أعاد بناءها بعد تسع سنين.
وفي سنة ثمان وتسعين غزا القسطنطينية فحاصرها وافتتح مدينة الصقالبة، وكسر ملكهم البرجان، ثم عاد إلى محاصرة القسطنطينية. قال الأوزاعي: فأخذه وهو يغازيهم صداع عظيم في رأسه، فبعث ملك الروم إليه بقلنسوة وقال: ضعها على رأسك يذهب صداعك، فخشي أن تكون مكيدة فوضعها على رأس بهيمة فلم ير إلا خيرا، ثم وضعها على رأس بعض أصحابه فلم ير إلا خيرا، فوضعها على رأسه فذهب صداعه، ففتقها فإذا فيها سبعون سطرا هذه الآية (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) [فاطر: 41] الآية مكررة لا غير، رواه ابن عساكر.