أبو بردة (1) بن أبي موسى الأشعري تولى قضاء الكوفة قبل الشعبي، فإن الشعبي تولى في خلافة عمر بن عبد العزيز، واستمر إلى أن مات، وأما أبو بردة فإنه كان قاضيا في زمن الحجاج، ثم عزله الحجاج وولى أخاه أبا بكر، وكان أبو بردة فقيها حافظا عالما، له روايات كثيرة.
أبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد البصري، له روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة وغيرهم، وكان من كبار الأئمة والفقهاء، وطلب للقضاء فهرب منه وتغرب، قدم الشام فنزل داريا وبها مات رحمه الله. قال أبو قلابة: إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولم يكن همك ما تحدث به الناس، فلعل غيرك ينتفع ويستغني وأنت في الظلمة تتعثر، وإني لارى هذه المجالس إنما هي مناخ البطالين. وقال: إذا بلغك عن أخيك شئ تكرهه فالتمس له عذرا جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل: لعل لأخي عذرا لا أعلمه.
ثم دخلت سنة خمس ومائة فيها غزا الجراح بن عبد الله الحكمي بلاد اللان، وفتح حصونا كثيرة، وبلادا متسعة الأكناف من وراء بلنجر، وأصاب غنائم جمة، وسبى خلقا من أولاد الأتراك. وفيها غزا مسلم بن سعيد بلاد الترك وحاصر مدينة عظيمة من بلاد الصغد، فصالحه ملكها على مال كثير يحمله إليه. وفيها غزا سعيد بن عبد الملك بن مروان بلاد الروم، فبعث بين يديه سرية ألف فارس، فأصيبوا جميعا.
وفيها لخمس بقين من شعبان منها توفي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان بأربد من أرض البلقاء، يوم الجمعة، وعمره ما بين الثلاثين والأربعين (2)، وهذه ترجمته:
هو يزيد بن عبد الملك بن مروان أبو خالد القرشي الأموي، أمير المؤمنين، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، قيل إنها دفنت بقبر عاتكة فنسبت المحلة إليها. والله أعلم. بويع له بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز في رجب من سنة إحدى ومائة بعهد من أخيه سليمان، أن يكون الخليفة بعد عمر ابن عبد العزيز، لخمس بقين من رجب، قال محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا كثير بن هشام ثنا