وقال لهم فيما قال: والله لقد استأذنت أمير المؤمنين في قتل خلق منكم، ولو أذن لي لقتلت مقاتلتكم وسبيت ذراريكم، وما صعدت لهذا المنبر إلا لأسمعكم ما تكرهون.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة قتل عبد الله البطال في جماعة من المسلمين بأرض الروم، ولم يزد ابن جرير على هذا، وقد ذكر هذا الرجل الحافظ ابن عساكر في تاريخه الكبير فقال:
عبد الله أبو يحيى المعروف بالبطال كان ينزل إنطاكية، حكى عنه أبو مروان الأنطاكي، ثم روى باسناده أن عبد الملك بن مروان حين عقد لابنه مسلمة على غزو بلاد الروم، ولى على رؤساء أهل الجزيرة والشام البطال، وقال لابنه: سيره على طلائعك، وأمره فليعس بالليل العسكر، فإنه أمين ثقة مقدام شجاع. وخرج معهم عبد الملك يشيعهم إلى باب دمشق. قال: فقدم مسلمة البطال على عشرة آلاف يكونون بين يديه ترسا من الروم أن يصلوا إلى جيش المسلمين. قال محمد بن عائذ الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلمة حدثني أبو مروان - شيخ من أهل إنطاكية - قال: كنت أغازي مع البطال وقد أوطأ الروم ذلا، قال البطال فسألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمري في مغازي فيهم، فقلت له: خرجت في سرية ليلا فدفعنا إلى قرية فقلت لأصحابي: ارخوا لجم خيلكم ولا تحركوا أحدا بقتل ولا بشئ حتى تستمكنوا من القرية ومن سكانها، ففعلوا وافترقوا في أزقتها، فدفعت في أناس من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وإذا امرأة تسكت ابنها من بكائه، وهي تقول له: لتسكتن أو لأدفعنك إلى البطال يذهب بك، وانتشلته من سريره وقالت: خذه يا بطال، قال: فأخذته.
وروى محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، عن أبي مروان الأنطاكي عن البطال قال:
انفردت مرة ليس معي أحد من الجند، وقد سمطت خلفي مخلاة فيها شعير، ومعي منديل فيه خبز وشواء، فبينا أنا أسير لعلي ألقى أحدا منفردا، أو أطلع على خبر، إذا أنا ببستان فيه بقول حسنة، فنزلت وأكلت من ذلك البقل بالخبز والشواء مع النقل، فأخذني إسهال عظيم قمت منه مرارا، فخفت أن أضعف من كثرة الاسهال، فركبت فرسي والاسهال مستمر على حاله، وجعلت أخشى إن أنا نزلت عن فرسي أن أضعف عن الركوب، وأفرط بي الاسهال في السير حتى خشيت أن أسقط من الضعف، فأخذت بعنان الفرس ونمت على وجهي لا أدري أين يسير الفرس بي، فلم أشعر إلا بقرع نعاله على بلاط، فأرفع رأسي فإذا دير، وإذا قد خرج منه نسوة صحبة امرأة حسناء جميلة جدا، فجعلت تقول بلسانها: أنزلنه، فأنزلنني فغسلن عني ثيابي وسرجي وفرسي، ووضعنني على سرير وعملن لي طعاما وشرابا، فمكثت يوما وليلة مستويا، ثم أقمت بقية ثلاثة أيام حتى ترد إلي حالي، فبينا أنا كذلك إذا أقبل البطريق وهو يريد أن يتزوجها، فأمرت بفرسي فحول وعلق على الباب الذي أنا فيه، وإذا هو بطريق كبير فيهم، وهو إنما جاء لخطبتها، فأخبره من كان هنالك بأن هذا البيت فيه رجل وله فرس، فهم بالهجوم علي فمنعته المرأة من ذلك، وأرسلت تقول له: إن فتح عليه الباب لم