الناس! إني قد كنت أمرت في أمهات الأولاد بأمر قد علمتموه، ثم حدث رأي غير ذلك، فأيما امرئ كان عنده أم ولد فملكها بيمينه ما عاش، فإذا مات فهي حرة لا سبيل له عليها.
فقال لي عبد الملك: من أنت؟ قلت أنا محمد بن مسلم بن عبيد بن شهاب، فقال: أما والله إن كان أبوك لأبا نعارا في الفتنة مؤذيا لنا فيها. قال الزهري فقلت: يا أمير المؤمنين قل كما قال العبد الصالح: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) [يوسف: 92] فقال: أجل! (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) قال: فقلت: يا أمير المؤمنين افرض لي فإني منقطع من الديوان، فقال: إن بلدك ما فرضنا فيه لاحد منذ كان هذا الامر. ثم نظر إلى قبيصة وأنا وهو قائمان بين يديه، فكأنه أوما إليه أن افرض له، فقال: قد فرض إليك أمير المؤمنين، فقلت: إني والله ما خرجت من عند أهلي إلا وهم في شدة وحاجة ما يعلمها إلا الله، وقد عمت الحاجة أهل البلد. قال: قد وصلك أمير المؤمنين. قال قلت: يا أمير المؤمنين وخادم يخدمنا، فإن أهلي ليس لهم خادم إلا أختي، فإنها الآن تعجن وتخبز وتطحن قال: قد أخدمك أمير المؤمنين.
وروى الأوزاعي عن الزهري أنه روى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ". فقلت للزهري: ما هذا؟ فقال: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما جاءت. وعن ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال:
(2) كان عمر بن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد بن ربيعة التي يقول فيها:
إن تقوى ربنا خير نفل * وبإذن الله ريثي والعجل أحمد الله فلا ند له * بيديه الخير ما شاء فعل من هداه سبل الخير اهتدى * ناعم البال ومن شاء أضل وقال الزهري: دخلت على عبيد الله بن عبد الله بن عتبة منزلة فإذا هو مغتاظ ينفخ، فقلت:
مالي أراك هكذا؟ فقال: دخلت على أميركم آنفا - يعني عمر بن عبد العزيز - ومعه عبد الله بن عمرو بن عثمان فسلمت عليهما فلم يردا علي السلام، فقلت:
لا تعجبا أن تؤتيا فتكلما * فما حشى الأقوام شرا من الكبر ومسا تراب الأرض منه خلقتما * وفيها المعاد والمصير إلى الحشر فقلت: يرحمك الله!! مثلك في فقهك وفضلك وسنك تقول الشعر؟! فقال: إن المصدور إذا نفث برأ. وجاء شيخ إلى الزهري فقال: حدثني، فقال: إنك لا تعرف اللغة، فقال الشيخ:
لعلي أعرفها، فقال: فما تقول في قول الشاعر:
صريع ندامى يرفع الشرب رأسه * وقد مات منه كل عضو ومفصل؟